الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 176 ] الطرف الثاني : في التحليف ، فيحلف القاضي المدعي على الغائب بعد قيام البينة وتعديلها أنه ما أبرأه من الدين الذي يدعيه ، ولا من شيء منه ، ولا اعتاض ولا استوفى ، ولا أحال عليه هو ، ولا أخذ من جهته ، بل هو ثابت في ذمة المدعى عليه يلزمه أداؤه ، ويجوز أن يقتصر ، فيحلفه على ثبوت المال في ذمته ، ووجوب تسليمه ، وكذا يحلف مع البينة [ الوارث ] إذا كان المدعى عليه صبيا أو مجنونا أو ميتا ليس له وارث حاضر ، فإن كان حلف بسؤال الوارث ، وحكى أبو الحسين الطرسوسي من أصحابنا قولا أنه لا يحلف في الدعوى مع البينة وهو مذهب المزني ، والمشهور الأول ، لكن هذا التحليف واجب أم مستحب ؟ وجهان ، ويقال : قولان ، أصحهما : الوجوب ، ومنهم من قطع به .

                                                                                                                                                                        ومن قال بالاستحباب قال : لأن تدارك التحليف باق ، والوجوب في الميت والصبي والمجنون أولى لعجزهم عن التدارك ، لكن الخلاف مطرد فيهم ، حكاه أبو الحسن العبادي وجماعة ، وبنى على هذا ما لو أقام قيم طفل بينة على قيم طفل ، فإن أوجبنا التحليف ، انتظرنا حتى يبلغ المدعى له ، فيحلف ، وإن قلنا بالاستحباب ، قضى بها ، ولا يشترط في اليمين هنا التعرض لصدق الشهود بخلاف اليمين مع الشاهد ؛ لأن البينة هنا كاملة وقيل : يشترط .

                                                                                                                                                                        إذا لم يدع بنفسه ، بل ادعى وكيله على غائب لا يحلف ، بل يعطى المال إن كان المدعى عليه هناك مال ، ولو كان المدعى عليه حاضرا ، وقال للمدعي بالوكالة بعد أن أقام البينة عليه : أبرأني موكلك الغائب ، وأراد التأخير إلى أن يحضر الموكل ، فيحلف ، لم يمكن منه ، بل عليه تسليم الحق ، ثم يثبت الإبراء من بعد إن كانت له حجة ، وكذا لو ادعى ولي الصبي دينا للصبي ، فقال المدعى عليه : إنه أتلف علي من [ ص: 177 ] جنس ما تدعيه قدر دينه لم ينفعه بل عليه أداء ما أثبته الولي ، فإذا بلغ الصبي ، حلفه . ولو قال المدعى عليه في مسألة التوكيل : أبرأني موكلك الغائب ، فاحلف أنك لا تعلم ذلك ، قال الشيخ أبو حامد : له تحليفه على نفي العلم ومن الأصحاب من يخالفه ولا يحلف الوكيل ولك أن تقول : مقتضى ما ذكره الشيخ أن يحلف القاضي وكيل المدعي على الغائب على نفي العلم بالإبراء وسائر الأسباب المسقطة نيابة عن المدعى عليه فيما يتصور منه لو حضر كما ناب عنه في تحليف من يدعي لنفسه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يجوز القضاء على الغائب بشاهد ويمين كالحاضر وهل يكفي يمين أم يشترط يمينان إحداهما لتكمل الحجة ، والثاني لنفي المسقطات وجهان أصحهما الثاني .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تعلق برجل وقال : أنت وكيل فلان الغائب ، ولي عليه كذا ، وأدعي عليك وأقيم البينة في وجهك ، فإن علم أنه وكيل ، وأراد أن لا يخاصم ، فليعزل نفسه ، وإن لم يعلم ، فينبغي أن يقول : لا أعلم أني وكيل ولا يقول : لست بوكيل فيكون مكذبا لبينة قد تقوم بالوكالة ، وهل للمدعي إقامة البينة على وكالة من تعلق به ؟ وجهان أحدهما : نعم ليستغني عن ضم اليمين إلى البينة ، وليكون القضاء مجمعا عليه ، وأصحهما : لا ؛ لأن الوكالة حق له ، فكيف يقام بينة بها قبل دعواه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية