الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الحادي عشر في امتحانهم إياه بأشياء لا يعرفها إلا نبي

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : إن النضر بن الحارث ، وكان من شياطين قريش ، وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم . والصواب أنه هلك ببدر وهو مشرك على يدي علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه . فقال : يا معشر قريش والله لقد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد ، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم الشيب في صدغيه وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر . ولا والله ما هو بساحر ، وقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم . وقلتم : كاهن ، لا والله ما هو بكاهن ، قد رأينا الكهنة تخالجهم وسمعنا سجعهم ، وقلتم : شاعر ، لا والله ما هو بشاعر ، لقد روينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه . وقلتم : مجنون . لا والله ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه ، يا معشر قريش انظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم .

                                                                                                                                                                                                                              وكان النضر قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس ، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فذكر فيه بالله وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله عز وجل ، خلفه في مجلسه إذا قام ثم قال : أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه ، فهلم إلي فأنا أحدثكم أحسن من حديثه . ثم يحدثهم عن ملوك فارس ثم يقول : بماذا محمد أحسن حديثا مني؟ وما أحاديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما كتبتها .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن هشام : وهو الذي قال فيما بلغني : سأنزل مثل ما أنزل الله .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : وكان ابن عباس يقول فيما بلغني : إنه أنزل فيه ثماني آيات من القرآن : قوله تعالى : إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين [القلم 15] وكل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن .

                                                                                                                                                                                                                              فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود المدينة وقالوا لهما : اسألاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء .

                                                                                                                                                                                                                              فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله ، وقالا : إنكم أهل التوراة وقد أتيناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا . فقالت لهما أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل [متقول] فروا فيه رأيكم : سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم ، فإنه قد كان لهم حديث عجيب ، واسألوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان [ ص: 346 ] نبؤه ، واسألوه عن الروح ما هي؟ فإن أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي مرسل ، وإن لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم .

                                                                                                                                                                                                                              فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش فقالا : قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها ، فإن أخبركم عنها فهو نبي وإن لم يفعل فالرجل مفتون فروا فيه رأيكم .

                                                                                                                                                                                                                              فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه في تلك الأشياء فقال لهم : أخبركم بما سألتم عنه غدا .

                                                                                                                                                                                                                              ولم يستثن . فانصرفوا عنه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون خمس عشرة ليلة ، وفي سير الزهري وموسى بن عقبة : أن الوحي إنما أبطأ عنه ثلاثة أيام لا يحدث الله تعالى في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه . حتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة .

                                                                                                                                                                                                                              ثم جاءه جبريل صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل بسورة الكهف وفيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف والروح .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل حين جاءه : لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا . فقال له جبريل : وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا فافتتح الله سبحانه سورة الكهف بحمده وذكر نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : الحمد وهو الوصف بالجميل الثابت لله وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما؟ احتمالات أفيدها الثالث .

                                                                                                                                                                                                                              الذي أنزل على عبده محمد الكتاب القرآن ولم يجعل له أي فيه عوجا اختلافا وتناقضا ، قيما مستقيما لينذر يخوف بالكتاب الكافرين بأسا عذابا شديدا من لدنه من قبل الله ، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وهو الجنة ، وينذر من جملة الكافرين الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به بهذا القول من علم ولا لآبائهم من قبلهم القائلين له كبرت عظمت كلمة تخرج من أفواههم كلمة تمييز مفسر للضمير المبهم ، والمخصوص بالذم محذوف أي مقالتهم المذكورة .

                                                                                                                                                                                                                              إن ؛ ما يقولون في ذلك إلا قولا كذبا فلعلك باخع مهلك نفسك على آثارهم بعد [ ص: 347 ] توليهم عنك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث القرآن أسفا غيظا وحزنا منك لحرصك على إيمانهم ، إنا جعلنا ما على الأرض من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك زينة لها لنبلوهم لنختبر الناس ناظرين إلى ذلك أيهم أحسن عملا فيه أي أزهد له وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا فتاتا جرزا يابسا لا ينبت .

                                                                                                                                                                                                                              ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوا عنه من شأن الفتية فقال : أم حسبت أن أصحاب الكهف الغار في الجبل والرقيم اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم كانوا في قصتهم من جملة آياتنا عجبا خبر كان وما قبله حال ، أي كانوا عجبا دون باقي الآيات وأعجبها؟ ليس الأمر كذلك .

                                                                                                                                                                                                                              اذكر إذ أوى الفتية إلى الكهف جمع فتى وهو الشاب الكامل خائفين على إيمانهم من قومهم الكفار فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه غيره إلها لقد قلنا إذا شططا أي قولا ذا شطط ، أي إفراط في الكفر إن دعونا إلها غير الله فرضا .

                                                                                                                                                                                                                              هؤلاء مبتدأ ، قومنا عطف بيان ، اتخذوا من دونه آلهة الخبر : لولا هلا يأتون عليهم على عبادتهم بسلطان بين بحجة ظاهرة ، فمن أظلم أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا بنسبة الشريك إليه تعالى إلى آخر القصة .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال تعالي : سيقولون أي المتنازعون فيهم في عدد الفتية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي يقول بعضهم : هم ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون أي بعضهم : خمسة سادسهم كلبهم ، والقولان لنصارى نجران رجما بالغيب أي ظنا في الفتية عنهم ، وهو راجع إلى القولين معا ونصبه على المفعول أي لظنهم ذلك . ويقولون أي المؤمنون سبعة وثامنهم كلبهم . الجملة من المبتدأ والخبر صفة سبعة بزيادة الواو ، وقيل تأكيد أو دلالة على لصق الصفة بالموصوف .

                                                                                                                                                                                                                              ووصف الأولين بالرجم دون الثالث يدل على أنه مرضي صحيح . قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل من الناس . قال ابن عباس : أنا من ذلك القليل . وذكر أنهم سبعة ، فلا تمار تجادل فيهم إلا مراء ظاهرا بما أنزل إليك . ولا تستفت تطلب الفتيا فيهم منهم من أهل الكتاب اليهود أحدا .

                                                                                                                                                                                                                              ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا أي فيما يستقبل من الزمان إلا أن يشاء الله أي إلا ملتبسا بمشيئة الله بأن تقول : إن شاء الله ، واذكر ربك أي مشيئته معلقا بها إذا نسيت التعليق بها ويكون ذكرها بعد النسيان كذكرها مع القول . قال الحسن وغيره : ما دام في المجلس . وروى ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في الآية قال : إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت . قال : وهي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 348 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا من خبر أهل الكهف في الدلالة على نبوتي ، رشدا هداية وقد فعل الله تعالى ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              ويسألونك عن ذي القرنين اختلف في اسمه فقيل اسمه الصعب . وبه جزم كعب الأحبار ونقله ابن هشام في التيجان عن ابن عباس . وقال الشيخ تقي الدين المقريزي في الخطط : إنه التحقيق عند علماء الأخبار . وقال الحافظ في الفتح بعد أن أورد قول أعشى بن ثعلبة :


                                                                                                                                                                                                                              والصعب ذو القرنين أمسى ثاويا بالحنو في حدث هناك مقيم

                                                                                                                                                                                                                              والحنو - بكسر الحاء المهملة وسكون النون فواو : مكان في ناحية المشرق . ثم ذكر شواهد أخر يؤخذ من أكثر هذه الشواهد أن الراجح في اسمه الصعب . وقيل المنذر : وقيل غير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              ولقب بذي القرنين قيل لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها . رواه الزبير بن بكار عن الزهري . وقيل لأنه ملكهما . وقيل لأنه رأى في منامه أنه أخذ بقرني الشمس ، وقيل لأنه كان له قرنان حقيقة . وهذا أنكره الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه . وقيل لأنه كان له ضفيرتان تواريهما ثيابه . وقيل كانت الغديرتان طويلتين من شعره حتى كان يطأ عليهما . وقيل لأنه دخل النور والظلمة . وقيل لأنه عمر حتى فني في زمانه قرنان من الناس . وقيل غير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في نبوته : فقيل كان نبيا . وبه جزم جماعة . وهو مروي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي . قال الحافظ : وعليه ظاهر القرآن

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا أدري ذو القرنين كان نبيا أو لا»

                                                                                                                                                                                                                              وذكر وهب في المبتدأ أنه كان عبدا صالحا وأن الله تعالى بعثه إلى أربعة أمم اثنتين منها طول الأرض ، واثنتين منها عرض الأرض فذكر قصة طويلة ذكرها الثعلبي في تفسيره .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الزبير بن بكار وسفيان بن عيينة في جامعه والضياء المقدسي في صحيحه ، كلاهما من طريق آخر بسند صحيح كما قال الحفاظ عن أبي الطفيل أن ابن الكواء قال لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : أخبرني عن ذي القرنين نبيا كان أم ملكا؟ قال : لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه ، ونصح لله فنصحه ، بعثه إلى قومه فضربوه على قرنه ضربة مات فيها ، ثم بعثه الله إليهم فضربوه ، ثم بعثه فسمي ذا القرنين .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : وفيه إشكال لأن قوله : لم يكن نبيا مغاير لقوله : بعثه الله إلى قومه إلا أن يحمل البعث على غير رسالة النبوة . [ ص: 349 ]

                                                                                                                                                                                                                              والأكثر : أنه كان من الملوك الصالحين . وذكره البخاري قبل ترجمة إبراهيم صلى الله عليه وسلم . قال الحافظ : وفي ذلك إشارة إلى توهين قول من زعم أنه الإسكندر اليوناني ، لأن الإسكندر كان قريبا من زمن عيسى ، وبين زمن إبراهيم وعيسى أكثر من ألفي سنة . والذي يظهر أن الإسكندر المتأخر لقب بذي القرنين تشبيها بالمتقدم لسعة مملكته وغلبته على البلاد الكثيرة ، أو لأنه لما غلب على الفرس وقتل ملكهم انتظم له ملك المملكتين الواسعتين الروم والفرس فلقب ذو القرنين بذلك .

                                                                                                                                                                                                                              والحق : أن الذي قص الله نبأه في القرآن هو المتقدم ، والفرق بينهما من أوجه : أحدها ما ذكرته . والذي يدل على تقدم ذي القرنين ما رواه الفاكهي عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين : أن ذا القرنين حج ماشيا فسمع به إبراهيم فتلقاه .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن هشام في التيجان أن إبراهيم تحاكم إلى ذي القرنين في شيء فحكم له .

                                                                                                                                                                                                                              ثاني الأوجه : قال الإمام فخر الدين كان ذو القرنين نبيا وكان الإسكندر كافرا ولكن الجمهور على خلاف قوله أنه كان نبيا .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها : كان ذو القرنين من العرب . وأما الإسكندر فهو من اليونان .

                                                                                                                                                                                                                              وشبهة من قال إن ذا القرنين هو الإسكندر : ما رواه ابن جرير بإسناد فيه ابن لهيعة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فقال : كان من الروم فأعطي ملكا فسار إلى مصر وبنى الإسكندرية . إلى آخره .

                                                                                                                                                                                                                              وهذا لو صح لدفع النزاع ، ولكنه ضعيف .

                                                                                                                                                                                                                              هذا خلاصة كلام الحافظ في الفتح .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشيخ تقي الدين المقريزي في الخطط : اعلم أن التحقيق عند علماء الأخبار أن ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في القرآن اسمه الصعب بن الحارث . وساق نسبه إلى قحطان بن هود بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وأنه ملك من ملوك حمير وهم العرب العاربة ويقال لهم أيضا العرب العرباء .

                                                                                                                                                                                                                              كان ذو القرنين تبعا متوجا ولما تولى الملك تجبر ثم تواضع لله تعالى . وقد غلط من ظن أن الإسكندر هو ذو القرنين الذي بنى السد فإن لفظة «ذو» عربية ، وذو القرنين من ألقاب ملوك اليمن ، وذاك رومي يوناني وبسط الكلام على ذلك وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير نحو ما سبق عن الحافظ وصوب أن ذا القرنين غير الإسكندر اليوناني وبسط الكلام على ذلك . قل سأتلو سأقص عليكم منه من حاله ذكرا خبرا . إلى آخر القصة . [ ص: 350 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقال تعالى فيما سألوه عنه من الروح الذي يحيا به البدن : قل لهم الروح من أمر ربي أي علمه لا تعلمونه . وما أوتيتم من العلم إلا قليلا بالنسبة إلى علمه تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              وكلام ابن إسحاق يدل على أن هذه الآية مكية . ورواه الترمذي عن ابن عباس ، ورجاله رجال مسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الصحيحين أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح بالمدينة فنزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول ويحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك وإلا فما في الصحيح أصح .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عرفوا من الحق ، وعرفوا صدقه فيما حدث وموقع نبوته فيما جاءهم من علم الغيب حين سألوه عنه ، حال الحسد منهم له بينهم فقال قائلهم : لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه أي اجعلوه لغوا باطلا وهزؤا لعلكم تغلبون بذلك فإنكم إن ناظرتموه وخاصمتموه غلبكم بذلك .

                                                                                                                                                                                                                              فقال أبو جهل يوما ، هو يهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وما أتى به من الحق : يا معشر قريش يزعم محمد إنما جنود الله الذين يعذبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر ، وأنتم الناس عددا وكثرة ، فيعجز كل مائة منكم عن رجل منهم؟

                                                                                                                                                                                                                              فأنزل الله تعالى في ذلك : وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة فلا يطاقون كما تتوهمون وما جعلنا عدتهم إلا فتنة ضلالا للذين كفروا بأن يقولوا : لم كانوا تسعة عشر ، ليستيقن الذين أوتوا الكتاب أي اليهود صدق النبي صلى الله عليه وسلم في كونهم تسعة عشر الموافق لما في كتابهم ، ويزداد الذين آمنوا من أهل الكتاب إيمانا تصديقا لموافقة ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم لما في كتابهم . ولا يرتاب يشك الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون من غيرهم في عدد الملائكة ، وليقول الذين في قلوبهم مرض شك بالمدينة والكافرون بمكة ماذا أراد الله بهذا العدد مثلا سموه مثلا لغرابته وأغرب حالا .

                                                                                                                                                                                                                              كذلك أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدقه ، يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك أي الملائكة في قوتهم وأعوانهم إلا هو سبحانه وتعالى .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية