الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الثالث : أنه ترد صيغة الخبر للأمر نحو { والوالدات يرضعن } وهو مجاز ، والعلاقة فيه ما يشترك كل واحد منها في تحقيق ما تعلق به ، وكذا الخبر بمعنى النهي نحو { لا تنكح المرأة المرأة } نعم هاهنا بحث دقيق أشار إليه ابن دقيق العيد في شرح العنوان " وهو أنه إذا ورد الخبر بمعنى الأمر فهل يترتب عليه ما يترتب على الأمر من الوجوب إذا قلنا : الأمر للوجوب ، أو يكون ذلك مخصوصا بالصيغة المعنية وهي صيغة " افعل " ؟ ولم يرجح شيئا . وهذا البحث قد دار بين الشيخين ابن تيمية وابن الزملكاني في مسألة الزيارة ، فادعى ابن تيمية أنه لا فرق وجعل قوله صلى الله عليه وسلم : { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث } في معنى النهي ، والنهي للتحريم كما أن الأمر للوجوب ، ونازعه ابن الزملكاني وقال : هذا محمول على الأمر بصيغة " افعل " وعلى النهي بصيغة " لا تفعل " ; إذ هو الذي يصح دعوى الحقيقة فيه ، وأما ما كان موضوعا حقيقة لغير الأمر والنهي ، ويفيد معنى أحدهما كالخبر بمعنى الأمر ، والنفي بمعنى النهي فلا يدعى فيه أنه حقيقة في وجوب ، ولا تحريم ; لأنه يستعمل في غير موضعه إذا أريد به الأمر أو النهي ، فدعوى كونه حقيقة في إيجاب أو تحريم ، وهو موضوع لغيرهما مكابرة .

                                                      [ ص: 295 ] قال : وهذا موضع يغلط كثير من الفقهاء ويغترون بإطلاق الأصوليين ويدخلون فيه كل ما أفاد نهيا أو أمرا ، والمحقق الفاهم يعرف المراد ويضع كل شيء في موضعه . قلت : صرح القفال الشاشي في كتابه بهذه المسألة وألحقه بالأمر ذي الصيغة . قال : ومن الدليل على أن معناه الأمر والنهي دخول النسخ فيه ، والأخبار المحضة لا يلحقها النسخ ، ولأنه لو كان خبرا لم يوجد خلافه . قال : ومن هذا الباب عند أصحابنا قوله تعالى : { لا يمسه إلا المطهرون } . وقال بعضهم : " لا " إذا كانت نافية أبلغ في الخطاب من النهي ; لأن النهي يتضمن أن الحكم قد كان قارا قبل وروده ، والنفي يتضمن الإخبار عن حالته . وأنها كانت منفية ، فلم تكن ثابتة قبل ذلك . وهاهنا فوائد إحداها : في العدول عن صيغة الطلب إلى صيغة الخبر وفوائد : منها : أن الحكم المخبر به يؤذن باستقرار الأمر وثبوته على حدوثه وتجدده ، فإن الأمر لا يتناول إلا فعلا حادثا فإذا أمر بالشيء بلفظ الخبر آذن ذلك بأن هذا المطلوب في وجوب فعله ولزومه بمنزلة ما قد حصل وتحقق ، فيكون ذلك أدعى إلى الامتثال ، ومنها : أن صيغة الأمر وإن دلت على الإيجاب فقد يحتمل الاستحباب . فإذا جيء بصيغة الخبر علم أنه أمر ثابت مستقر وانتفى احتمال الاستحباب . ومنها : أن الأحكام قسمان خطاب وضع ، وأخبار ، وهو جعل الشيء [ ص: 296 ] سببا وشرطا ومانعا ، وهذا من النوع فإن الطلاق سبب لوجوب العدة ، فإذا جيء بصيغة الخبر كان فيه دلالة على أنه من قبيل خطاب الوضع والأخبار الممتازة عن سائر خطاب التكليف ، ويوضح هذا أن المطلقة لو كانت مجنونة ثبت حكم العدة في حقها وإن لم تكن مكلفة . الثانية : الخبر الذي هو مجاز عن الأمر في مثل { والوالدات يرضعن } هل هو مجموع المبتدإ والخبر ، أو خبر المبتدأ وحده ؟ كلام صاحب الكشاف يميل إلى الثاني ، وأن المعنى والوالدات ليرضعن ، وبعضهم إلى الأول ; لأن خبر المبتدأ لا يكون جملة إنشائية .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية