الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ المجاز التركيبي عقلي عند الجمهور ] الرابعة : إذا أثبتنا المجاز التركيبي ، فهل هو لغوي أم عقلي ؟ والجمهور على أنه عقلي ولم يسموه مجازا لكونه وضع لمعنى ، ثم استعمل في غيره ، لئلا يلزم أن يكون له جهتان جهة الحقيقة وجهة المجاز كما في المجاز المفرد ، وذلك ; لأن صيغ الأفعال فيه مستعملة في موضوعاتها اللغوية ، وكذا صيغ الفاعل فلا مجاز فيه إلا في نسبة تلك الأفعال إلى أولئك الفاعلين ، وهو أمر عقلي لا وضعي ، وكذلك لا نسميه مجازا لغويا لعدم رجوعه إلى الوضع بخلاف المجاز في المفرد فإنه عبارة عن استعمال اللفظ في غير موضوعه فهو مستلزم للجهتين جهة الحقيقة وجهة المجاز ، وأيضا فإن واضع اللغة لا صنع له بعد وضع المفرد لا يسند إليه ، بل يكل ذلك إلى خبرة المتكلم ، ألا ترى أن إسناد الوشي إلى الربيع لا القادر في قولك : خيط أحسن من وشي الربيع ليس مستفادا من اللغة ؟ وقيل : بل هو لغوي ; لأن واضع اللغة وضع المفرد ليركبه مع ما يناسبه ، كما صرح به الإمام الرازي وغيره ، والمناسبة معلومة بطرقها ، وحجر أيضا في التقديم والتأخير ، والحذف والذكر ، إلى غير ذلك فهو مجاز عقلي لغوي . واعلم أن هذا الخلاف يتوقف على أمرين : أحدهما : أن العرب هل وضعت المركبات أو لا ؟ وفيه خلاف .

                                                      [ ص: 96 ] الثاني : في مدلول نسبة الأفعال إلى فاعلها ، فنقول : الفعل تارة يراد به وقوعه من فاعله حقيقة ، أو قدرة الفاعل ، كقولنا : خلق الله زيدا ، وكذلك كل فعل نسب إلى الله ، وتارة يراد به وقوعه من فاعله حكما كقولنا : قام زيد ، فإن الله - تعالى - هو الفاعل ، ولكن القيام منسوب فعله لزيد حكما ، وتارة يراد بمجرد اتصافه به كقولنا : مرض زيد ونحوه مما لا تسبب فيه ، كبرد الماء ، وكل هذه الأقسام الإسناد فيها حقيقي ; لأن العرب وضعت لها ، ولم تقتصر على الإسناد إلى الموجد ، والإسناد لغير الموجد لا ينافي الحقيقة ; إذ لا معنى للحقيقة إلا ما وضعت العرب بإزائه ، والعرب تقصد النسبة لهذه الأمور حقيقة بدليل تبادر الذهن إلى الإسناد من غير الموجد ، إنما المجاز التركيبي النسبة لغير هذه الأقسام ، ومعنى نسبة الشيء لغير فاعله لا حقيقة ولا حكما ، ولا بمعنى اتصافه به بالكلية كأنبت الربيع البقل ، فإن الربيع ليس بمنبت حقيقة ولا حكما ، ولا متصف بذلك في وضع العرب ، إذا تقرر هذا فنقول : إن فرعنا على مذهب الجمهور من أن المركبات موضوعة فالمجاز في التركيب لغوي ; لأنه إسناد لغير موضوعه ، وإن قلنا : ليست موضوعة فالإسناد كله عقلي لا مدخل للغة فيه ، فمن هنا جاء الخلاف في أن المجاز التركيبي عقلي لا لغوي .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية