الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              4726 572 \ 4559 - وعن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن جده قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي، فقال : يا رسول الله ، جهدت الأنفس ، وضاعت العيال ، ونهكت الأموال ، وهلكت الأنعام ، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله ، ونستشفع بالله عليك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك! أتدري ما تقول؟ ، وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال : ويحك! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه ، شأن الله أعظم من ذلك ، ويحك! أتدري ما الله؟ إن عرشه على سماواته لهكذا- وقال بأصابعه مثل القبة عليه - وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب .

                                                              قال ابن بشار في حديثه : إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته ... ، وساق الحديث .

                                                              [ ص: 228 ] قال أبو بكر البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه، إلا من هذا الوجه. ولم يقل فيه محمد بن إسحاق: "حدثني يعقوب بن عتبة". هذا آخر كلامه.

                                                              وقد أعل هذا الحديث بوجوه:

                                                              أحدها: أن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعن الحديث ولم يصرح بالسماع، والمدلس إذا لم يذكر سماعه لم يحتج براويته.

                                                              الثاني: أنه لو صرح بالسماع، فابن إسحاق لا يحتج بحديثه، وقد كذبه مالك وغيره.

                                                              الثالث: أنه قد تفرد به يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس الثقفي، ولم يرو عنه أحد من أهل "الصحيح".

                                                              الرابع: أنه رواه عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، ولم يرو عنه أحد من [ ص: 229 ] أصحاب "الصحيح" أيضا.الخامس: أن الحديث اضطرب فيه على ابن إسحاق، فقال عبد الأعلى، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة، وجبير بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جده. وقال أحمد بن سعيد الرباطي: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، سمعت محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جده.

                                                              السادس: أنه اختلف عليه في لفظه، فرواه يحيى بن معين وغيره فلم يذكروا: "به "، وقالوا: إنه ليئط أطيط الرحل . ورواه جماعة فقالوا: "ليئط به" .

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: قال أهل الإثبات: ليس في شيء من هذا مستراح لكم في رد الحديث!

                                                              أما حملكم فيه على ابن إسحاق، فجوابه: أن ابن إسحاق بالموضع الذي [ ص: 230 ] جعله الله من العلم والأمانة، وثناء أكابر الأئمة عليه، وردهم على من طعن عليه، واستنكارهم له، وشهادتهم له بالصدق والحفظ والإمامة.

                                                              قال علي بن المديني: حديثه عندي صحيح.

                                                              وقال شعبة: ابن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث، وقال أيضا: هو صدوق.

                                                              وقال علي بن المديني أيضا: لم أجد له سوى حديثين منكرين. وهذا في غاية الثناء والمدح إذ لم يجد له - على كثرة ما روى - إلا حديثين منكرين.

                                                              وقال علي أيضا: سمعت ابن عيينة يقول: ما سمعت أحدا يتكلم في ابن إسحاق إلا في قوله في القدر، ولا ريب أن أهل عصره أعلم به ممن تكلم فيه بعدهم.

                                                              وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال الزهري: لا يزال بهذه الحرة علم ما دام بها ذلك الأحول، يريد ابن [ ص: 231 ] إسحاق.

                                                              وقال يعقوب بن شيبة: سألت يحيى بن معين: كيف ابن إسحاق ؟ قال: ليس بذاك، قلت: ففي نفسك من حديثه شيء ؟ قال: لا، كان صدوقا.

                                                              وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: لو كان لي سلطان لأمرت ابن إسحاق على المحدثين.

                                                              وقال ابن عدي: قد فتشت أحاديث ابن إسحاق الكبير، فلم أجد في حديثه ما يتهيأ أن نقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ أو وهم، كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عند الثقات والأئمة، وهو لا بأس به.

                                                              وقال أحمد بن عبد الله العجلي: ابن إسحاق ثقة.

                                                              وقد استشهد مسلم بخمسة أحاديث ذكرها لابن إسحاق في "صحيحه".

                                                              [ ص: 232 ] وقد روى الترمذي في "جامعه" من حديث ابن إسحاق: حدثنا سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبيه، عن سهل بن حنيف قال : كنت ألقى من المذي شدة، فأكثر الاغتسال منه [فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "فيه الوضوء"، قلت: فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: "يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصابه .

                                                              قال الترمذي: هذا حديث صحيح، لا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق، فهذا حكم قد تفرد به ابن إسحاق في الدنيا، وقد صححه الترمذي.

                                                              فإن قيل: فقد كذبه مالك، ويحيى القطان، وهشام بن عروة، وغيرهم ، فقال أبو قلابة الرقاشي: حدثني أبو داود سليمان بن داود قال: قال يحيى بن القطان: أشهد أن محمد بن إسحاق كذاب، قلت: وما يدريك ؟ قال: قال لي وهيب، فقلت لوهيب: وما يدريك ؟ قال: قال لي مالك بن أنس، فقلت لمالك: وما يدريك ؟ قال: قال لي هشام بن عروة، قال: قلت لهشام: [ ص: 233 ] وما يدريك ؟ قال: حدث، عن امرأتي فاطمة بنت المنذر، وأدخلت علي، وهي بنت تسع، وما رآها رجل حتى لقيت الله. قيل: هذه الحكاية وأمثالها هي التي غرت من اتهمه بالكذب، وجوابها من وجوه:

                                                              أحدها: أن سليمان بن داود (راويها عن يحيى ، هو الشاذكوني، وقد اتهم بالكذب، فلا يجوز القدح في الرجل بمثل رواية الشاذكوني.

                                                              الثاني: أن في الحكاية ما يدل على أنها كذب، فإنه قال " أدخلت فاطمة علي وهي بنت تسع " وفاطمة أكبر من هشام بثلاث عشرة سنة، ولعلها لم تزف إليه إلا وقد زادت على العشرين، ولما أخذ عنها ابن إسحاق كان لها نحو بضع وخمسين سنة.

                                                              الثالث: أن هشاما إنما نفى رؤيته لها، ولم ينف سماعه منها، ومعلوم أنه لا يلزم من انتفاء الرؤية انتفاء السماع، قال الإمام أحمد: لعله سمع منها في [ ص: 234 ] المسجد، أو دخل عليها فحدثته من وراء حجاب، فأي شيء في هذا ؟ فقد كانت امرأة كبرت وأسنت.

                                                              وقال يعقوب بن شيبة: سألت ابن المديني، عن ابن إسحاق ؟ فقال: حديثه عندي صحيح، قلت: فكلام مالك فيه ؟ قال: مالك لم يجالسه، ولم يعرفه، وأي شيء حدث بالمدينة؟!، قلت: فهشام بن عروة قد تكلم فيه ؟ قال: الذي قال هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها، فإن حديثه ليتبين فيه الصدق; يروي مرة: حدثني أبو الزناد، ومرة : ذكر أبو الزناد، ويقول: حدثني الحسن بن دينار، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب في سلف وبيع ، وهو أروى الناس، عن عمرو بن شعيب.




                                                              الخدمات العلمية