الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              3954 499 \ 3799 - وعن عطاء وهو ابن أبي رباح-، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا .

                                                              وأخرجه النسائي، وابن ماجه من حديث أبي الزبير، عن جابر قال: كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا ، والنبي صلى الله عليه وسلم حي، ما نرى بذلك بأسا .

                                                              وهو حديث حسن.

                                                              [ ص: 38 ] وأخرجه النسائي من حديث زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد في أمهات الأولاد قال: كنا نبيعهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزيد العمي ضعيف.

                                                              التالي السابق


                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وقد روى البخاري في "صحيحه"، عن أبي سعيد قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نصيب سبيا فنحب الأثمان، فكيف ترى في العزل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [أو] إنكم تفعلون ؟ لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم، فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا وهي خارجة .

                                                              وهذا لا يدل على منع بيعهن لوجهين:

                                                              أحدهما: أن الحمل يؤخر بيعها، فيفوته غرضه من تعجيل البيع.

                                                              الثاني: أنها إذا صارت أم ولد آثر إمساكها لتربية ولده، فلم يبعها لتضرر الولد بذلك.

                                                              وقد احتج على منع البيع بحجج كلها ضعيفة: منها:

                                                              ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" وابن ماجه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من وطئ أمته فولدت له فهي معتقة، عن دبر منه .

                                                              [ ص: 39 ] وفي لفظ: أيما امرأة علقت من سيدها فهي معتقة، عن دبر منه - أو قال - من بعده . وفي لفظ : فهي حرة من بعد موته .

                                                              وهذا الحديث مداره على حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس، وهو ضعيف الحديث ضعفه الأئمة.

                                                              وكذلك حديث ابن عباس الآخر: ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقها ولدها . رواه ابن ماجه، وهو أيضا من رواية حسين.

                                                              وكذلك حديث ابن عباس الآخر يرفعه: أم الولد حرة، وإن كان سقطا ، ذكره الدارقطني، وهو من رواية الحسين بن عيسى الحنفي، وهو منكر الحديث ضعيفه.

                                                              والمحفوظ فيه رواية سفيان الثوري، عن أبيه، عن عكرمة، عن عمر: أنه قال في أم الولد : أعتقها ولدها، وإن كان سقطا .

                                                              [ ص: 40 ] وكذلك رواه ابن عيينة، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن عمر، ورواه خصيف الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمر، فعاد الحديث إلى عمر. قال البيهقي: وهو الأصل في ذلك.

                                                              ومنها: ما رواه الدارقطني من حديث ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد، وقال: لا يبعن ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حيا، فإذا مات فهي حرة .

                                                              [ق216] وهذا لا يصح رفعه، بل الصواب فيه: ما رواه مالك في "الموطأ"، عن ابن عمر، عن عمر: قوله هكذا رواه، عن نافع عبيد الله ومالك، والناس.

                                                              [ ص: 41 ] وكذلك رواه الثوري وسليمان بن بلال وغيرهما، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر.

                                                              قال البيهقي: وغلط فيه بعض الرواة، عن عبد الله بن دينار، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو وهم لا تحل روايته.

                                                              ومنها: ما رواه البيهقي وغيره، عن سعيد بن المسيب : أن عمر أعتق أمهات الأولاد: وقال: أعتقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه ضعيف.

                                                              قال البيهقي: يتفرد به عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن مسلم بن يسار، عن ابن المسيب، قال: والإفريقي غير محتج به.

                                                              [ ص: 42 ] ومنها: ما رواه البيهقي وغيره من حديث خوات بن جبير: أن رجلا أوصى إليه، وكان فيما ترك أم ولد له، وامرأة حرة، فوقع بين المرأة وبين أم الولد بعض الشيء، فأرسلت إليها الحرة: لتباعن رقبتك يا لكع! فرفع ذلك خوات بن جبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تباع"، وأمر بها فأعتقت .

                                                              قال البيهقي: وهذا مما يتفرد بإسناده رشدين بن سعد وابن لهيعة، وهما غير محتج بهما. وأحسن شيء روي فيه ... فذكر حديث سلامة بنت معقل - وقد تقدم، وذكرنا أنه لا دلالة فيه.

                                                              وقد ثبت، عن عبيدة قال: قال علي : استشارني عمر في بيع أمهات الأولاد، فرأيت أنا وهو أنها عتيقة، فقضى به عمر حياته، وعثمان بعده، فلما وليت رأيت أنها رقيق .

                                                              وعن عبيدة قال: قال علي : اجتمع رأيي ورأي عمر على عتق أمهات الأولاد، ثم رأيت بعد أن أرقهن في كذا وكذا، قال: فقلت: رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة - وفي لفظ: الفتنة .

                                                              [ ص: 43 ] فهذا يدل على أن منع بيعهن إنما هو رأي رآه عمر، ووافقه علي وغيره، ولو كان عند الصحابة سنة من النبي صلى الله عليه وسلم بمنع بيعهن لم يعزم علي على خلافها، ولم يقل له عبيدة: " رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلينا"، وأقره علي على أن ذلك رأي.

                                                              وقال الشافعي: ولا يجوز لسيدها بيعها، ولا إخراجها من ملكه بشيء غير العتق، وإنها حرة، إذا مات من رأس المال ... ثم ساق الكلام إلى أن قال: وهو تقليد لعمر بن الخطاب.

                                                              وقد سلك طائفة في تحريم بيعهن مسلكا لا يصح، فادعوا الإجماع السابق قبل الاختلاف الحادث; وليس في ذلك إجماع بوجه.

                                                              قال سعيد بن منصور في "سننه": حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس في أم الولد قال : " بعها كما تبيع شاتك أو بعيرك " . وباعهن علي، وأباح ابن الزبير بيعهن.

                                                              وقال صالح بن أحمد: قلت لأبي: إلى أي شيء تذهب في بيع أمهات الأولاد ؟ قال: أكرهه، وقد باع علي بن أبي طالب. وقال في رواية إسحاق بن منصور: لا يعجبني بيعهن; فاختلف أصحابه على طريقتين:

                                                              [ ص: 44 ] إحداهما: أن عنه في المسألة روايتين، وهذه طريقة أبي الخطاب وغيره.

                                                              والثانية: أنها رواية واحدة، وأحمد أطلق الكراهة على التحريم، وهذه طريقة الشيخ أبي محمد، وغيره.

                                                              وقول علي : " اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف " ليس صريحا في الرجوع، عن قوله "رأيت أن أرقهن" والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية