الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه ) إجماعا في الطعام ولحديث حكيم بن حزام بسند حسن { يا ابن أخي لا تبيعن شيئا حتى تقبضه } وعلته ضعف الملك لانفساخه بتلفه كما مر وقيل اجتماع ضمانين على شيء واحد ؛ إذ لو صح لضمنه المشتري أيضا للثاني قبل قبضه فيكون مضمونا له ، وعليه ، وخرج بالمبيع زوائده الحادثة بعد العقد فيصح بيعها لعدم ضمانها كما مر ويمتنع التصرف بعد القبض أيضا إذا كان الخيار للبائع أو لهما كما علم مما مر ، ولا يصح - خلافا لمن زعمه - ورود الإحبال من أبي المشتري لأمته قبل القبض ؛ لأنها به تنتقل لملك الأب فيلزم تقدير القبض قبله ، ولا نفوذ تصرف الوارث ، أو السيد فيما اشتراه من مكاتبه فعجز نفسه ، أو مورثه ، ولا وارث له غيره فمات قبل القبض لعوده له بالتعجيز والموت فلم يملكه بالشراء ، ولا بيع العبد من نفسه ؛ لأنه عقد عتاقة ، ولا قسمته ؛ لأنها ، وإن كانت بيعا إلا أنها ليست على قوانين البيوع ؛ لأن الرضا فيها غير معتبر فلا يعتبر القبض كالشفعة ( والأصح أن بيعه للبائع كغيره ) [ ص: 402 ] لعموم النهي السابق وللعلة الأولى ، ومحل الخلاف إن باعه بغير جنس الثمن ، أو بزيادة ، أو نقص ، أو تفاوت صفة ، وإلا بأن باعه بعين الثمن ، أو بمثله إن تلف ، أو كان في الذمة فهو إقالة بلفظ البيع على المعتمد ، وزعم أن الصحيح مراعاة اللفظ في المبيع لا المعنى غير صحيح بل تارة يراعون هذا وتارة يراعون هذا بحسب المدرك

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قول المصنف : ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه ) قال في شرح الروض : وإن أذن البائع وقبض الثمن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : إذا كان الخيار للبائع ، أو لهما ) أي إلا إذا أذن البائع ، أو كان التصرف معه كما علم مما مر في مبحث الخيار أيضا ( قوله : أو مورثه ) قال في الروض : وما اشتراه من مورثه ومات قبل قبضه فله بيعه ، وإن كان مديونا ، ودين الغريم متعلق بالثمن ، وإن كان له وارث آخر لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى يقبضه ا هـ وقضيته أنه ملكه بالشراء ، وأن بيعه في هذه الصورة ليس من تصرف الوارث في التركة مع وجود الدين ؛ لأن التركة إنما هي الثمن فليتأمل ، نعم قد يشكل ؛ لأن الثمن قد يكون في ذمته لم يقبض ، وقد يعسر فلا ينفع الغريم التعلق به ؛ إذ قد لا يحصل ، وتفوت العين بتصرفه ( قوله : فلم يملكه بالشراء ) قضيته انفساخ البيع بموت المورث فلينظر سبب ذلك بل قد يقال : تعلق الدين مع ذلك بالثمن كما صرح به الروض كغيره يدل على أنه يملكه بالشراء ( قوله : ولا بيع العبد من نفسه ) أي : قبل قبضه ( قوله : لأن الرضا فيها غير معتبر ) هذا يدل على أن الكلام في غير قسمة الرد لاعتبار الرضا فيها ، وهذا حاصل ما في شرح الروض والكلام في القسمة قبل القبض ويبقى الكلام في بيع - [ ص: 402 ] المقسوم قبل قبضه في غير ذلك ، وحاصل ما في الروض وشرحه جوازه في قسمة الإفراز دون غيرها قال في الروض : وله بيع مقسوم قسمة إفراز أي : قبل قبضه قال في شرحه بخلاف قسمة البيع ليس له بيع ما صار له فيها من نصيب صاحبه قبل قبضه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أو بمثله إن تلف ) أخرج قيمته



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ولا يصح بيع المبيع إلخ ) قال في شرح الروض أي : والمغني ، وإن أذن البائع ، وقبض الثمن انتهى ا هـ سم قول المتن ( قبل قبضه ) أي : ولو تقديرا ا هـ نهاية قال ع ش أي : ولو كان القبض المنفي تقديرا كأن يشتري طعاما مقدرا بالكيل فقبضه جزافا لا يصح التصرف فيه حتى يكيله ويدخل في ضمانه ا هـ وقال الرشيدي قوله : ولو تقديرا غاية في القبض فكأنه قال : لا يصح بيعه قبل قبضه الحقيقي والتقديري أي : فالشرط وجود القبض ، ولو التقديري حتى يصح التصرف إذا وضعه البائع كما مر ، وإن لم يحصل الحقيقي وما في حاشية الشيخ مما حاصله أنه غاية في المبيع فكأنه قال : لا يصح بيع ، ولو مقدرا بنحو الكيل ، أو الوزن قبل قبضه يبعده أنه لو كان هذا غرضه لكان المناسب في الغاية أن يقول : ولو غير مقدر ؛ إذ المقدر يشترط فيه ما لا يشترط في غيره كما لا يخفى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : إجماعا ) إلى المتن في النهاية والمغني إلا قوله : وقيل إلى وخرج ( قوله : يا ابن أخي ) ذكره تعطفا به ا هـ ع ش ( قوله : كما مر ) أي : في أول الباب ( قوله : إذا كان الخيار للبائع إلخ ) أي : إلا إذا أذن البائع ، أو كان التصرف معه كما علم مما مر في مبحث الخيار أيضا ا هـ سم ( قوله : أو كان إلخ ) أي : بشرطه الآتي بعد قول المتن والأصح أن بيعه للبائع كغيره ( قوله : ورود الإحبال إلخ ) فاعل لا يصح ، وكان وجه ورود هذه أنا نقدر قبل دخولها في ملك الأب بالإيلاد أن المشتري باعها له ، وإلا فلا وجه لورودها ا هـ رشيدي ( قوله : لأمته ) أي المشتري ( قوله : ولا نفوذ إلخ ) عطف على الإحبال ، وكذا قوله : ولا بيع العبد إلخ ، قوله : ولا قسمته عطف عليه ا هـ كردي ( قوله : أو مورثه ) عطف على قوله مكاتبه ( قوله : قبل القبض ) تنازع فيه قوله : فعجز ، قوله : فمات .

                                                                                                                              ( قوله : فلم يملكه بالشراء ) قضيته انفساخ البيع بموت المورث فلينظر سبب ذلك بل قد يقال : تعلق الدين مع ذلك بالثمن كما صرح به الروض كغيره يدل على أنه يملكه بالشراء سم على حج ويصرح به قول الشارح قبل : وفي معنى إتلافه أي : المشتري كما مر لو اشترى أمة فأحبلها أبوه ما ذكر ، وأراد بما مر قوله قبل : ولا إحبال أبي المشتري الأمة إلى أن قال ؛ لأن قبض المشتري موجود في الثلاثة حكما ا هـ ع ش ، قوله : ويصرح إلخ إنما يرد على النهاية دون الشارح فإنه أشار هناك إلى رجحان ما ذكر هنا ( قوله : ولا بيع العبد من نفسه ) أي : قبل قبضه ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله : لا قسمته ) أي : المبيع أي : إذا كانت غير رد على ما يؤخذ من قوله : لأن الرضا فيها غير معتبر ا هـ ع ش عبارة الرشيدي أي : تعديلا ؛ إذ الإفراز ليس بيعا فلا وجه لوروده ، والرد لا بد فيه من الرضا ا هـ عبارة سم قوله : لأن الرضا فيها غير معتبر هذا يدل على أن الكلام في غير قسمة الرد لاعتبار الرضا فيها ، وهذا حاصل ما في شرح الروض والكلام في القسمة قبل القبض ويبقى الكلام في بيع المقسوم قبل قبضه في غير ذلك ، وحاصل [ ص: 402 ] ما في الروض وشرحه جوازه في قسمة الإفراز دون غيرها قال في الروض ، وله بيع مقسوم قسمة إفراز قبل قبضه قال في شرحه : بخلاف قسمة البيع ليس له بيع ما صار إليه فيها من نصيب صاحبه قبل قبضه انتهى ا هـ سم وسيأتي عن النهاية والمغني مثله ( قوله : لعموم النهي ) إلى قول المتن وأن الإعتاق في النهاية والمغني إلا أنهما اعتمدا ما اقتضاه كلام الروضة كما يأتي .

                                                                                                                              ( قوله : السابق ) أي : آنفا ( قوله : وللعلة الأولى ) أي : ضعف الملك ( قوله : أو بمثله إن تلف ) أخرج قيمته ا هـ سم ( قوله : أو كان في الذمة ) صورة ذلك أن يشتري عبدا مثلا بدينار مثلا في ذمته ثم يبيعه قبل قبضه للبائع بدينار في ذمته ، أو أقبض البائع دينارا كما في ذمته له ثم يبيعه قبل قبضه له بدينار في ذمته أو معين غير ما دفعه له ، ولو مع وجوده وعلى كل من الصورتين يقال : إنه باعه بمثل ما في الذمة شيخنا ا هـ بجيرمي ( قوله : بل تارة يراعون هذا ) أي : اللفظ ، وهو الأكثر كما لو قال بعتك هذا بلا ثمن لا ينعقد بيعا ، ولا هبة على الصحيح ( وتارة يراعون هذا ) أي : المعنى كما لو قال : وهبتك هذا الثوب بكذا ينعقد بيعا على الصحيح فلم يطلقوا القول باعتبار اللفظ بل يختلف الجواب باختلاف المدرك كالإبراء في أنه إسقاط أو تمليك ، وتارة لا يراعون اللفظ ، ولا المعنى كما إذا قال : أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد فإن الصحيح أنه لا ينعقد بيعا ولا سلما ا هـ مغني عبارة ع ش أي : والغالب عليهم مراعاة اللفظ ما لم يقو جانب المعنى ، ومن ثم وقع في عبارة غير واحد أن العبرة في العقود بالألفاظ ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية