الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثالثة: صيغ الإبراء:

        تنقسم الصيغ المستعملة في الإبراء إلى قسمين:

        القسم الأول: صيغ إسقاط.

        والقسم الثاني: صيغ تمليك.

        أما صيغ الإسقاط فكثيرة، منها: أبرأت، وأسقطت، وعفوت، وحططت، وتركت، ووضعت، ونحوها.

        وأما صيغ التمليك فنحو: ملكتك، ووهبتك، وأعطيتك، ونحوها. [ ص: 326 ]

        أما الإبراء بالألفاظ الدالة على الإسقاط فهي حقيقة فيه، وتدل عليه، ويصح فيها الإبراء باتفاق الفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة رحمهم الله.

        وأما الإبراء بألفاظ التمليك، فاختلف العلماء في صحة الإبراء بها على قولين:

        القول الأول: صحة الإبراء بها.

        وهو قول جمهور أهل العلم.

        القول الثاني: عدم صحة الإبراء بألفاظ التمليك، كالهبة، والعطية، ونحوها.

        وهو قول الظاهرية.

        الأدلة:

        أدلة الرأي الأول:

        استدل الجمهور بصحة الإبراء بألفاظ التمليك بما يلي:

        1- قال تعالى: ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا .

        وجه الدلالة: أن قوله تعالى: إلا أن يصدقوا معناه إبراء القاتل من الدية; لأن المراد بالصدقة الإبراء، وعليه فمجيء لفظ الصدقة التي هي من ألفاظ التمليك مرادا به الإبراء دليل على أن الإبراء يصح بألفاظ التمليك، كما يصح بألفاظ الإبراء.

        2- أن الشريعة تتشوف إلى براءة الذمم، وعدم إشغالها، ومنع ذلك إلا بلفظ معين يضيق دائرة العفو، والتسامح، والمعروف بين الناس. [ ص: 327 ]

        واستدل الظاهرية: بأن ألفاظ التمليك تقتضي وجود معين معلوم مكانه، والدين غير موجود، ولا معلوم المكان.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن المقصود هو المعنى، وهو إسقاط الدين، فلا يؤثر اختلاف اللفظ.

        والذي يترجح لي: صحة الإبراء بألفاظ التمليك; لقوة دليله ومناقشة دليل القول الآخر، والله أعلم.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية