الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني: رجوع الأم

        اختلف العلماء -رحمهم الله- في حكم رجوع الأم فيما وهبت لأولادها على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: أن لها الرجوع.

        ذهب إليه مالك في رواية، والشافعية في قول، وأحمد في رواية، والظاهرية.

        واحتجوا بما يلي:

        1- حديث ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما- وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا الوالد فيما يعطي ولده". [ ص: 74 ]

        وهذا يشمل الأم.

        ونوقش: بأن الوالد عند الإطلاق يتناول الأب دون الأم.

        وأجيب: بأن هذا ليس بصحيح; لأن الأم والد لغة وشرعا:

        أما من حيث اللغة: فقال ابن سيده: "ولدته أمه ولادة وإلادة على البدل، فهي والدة على الفعل، ووالد على النسب، حكاه ثعلب في المرأة".

        وشرعا: (253) فروى مسلم من طريق سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه".

        وهذا يشمل الأم.

        2- حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- وفيه قوله: "سووا بين أولادكم"، "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".

        وجه الدلالة: أن الأم يجب عليها أن تسوي بين أولادها في الهبة كما سبق، والرجوع في الهبة طريق في التسوية، وربما تعين طريقا فيها إذا لم يمكن إعطاء الآخر مثل عطية الأول. [ ص: 75 ]

        3- ولأنها لما دخلت في المعنى في حديث بشير بن سعد -رضي الله عنه- فينبغي أن تدخل في جميع مدلوله; لقوله: "فاردده" وقوله: "فأرجعه".

        4- ولأنها لما ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضله به؛ تخليصا لها من الإثم، وإزالة للتفضيل المحرم كالأب.

        القول الثاني: أن للأم الرجوع في هبة ولدها، إلا إذا كان صغيرا وأبوه ميت، فليس لها الرجوع، فإن كان له أب وقت الهبة، ثم تيتم، فالمعتمد: ليس لها الرجوع.

        وقيل: لها الرجوع.

        واشترط بعض المالكية: أن لا يكون غنيا، فإن كان الابن غنيا فلها الرجوع ولو مات الأب.

        وهو قول المالكية.

        وحجته: واحتج لجواز الرجوع مع وجود الأب:

        1- ما احتج به للقول الأول.

        2- أما عدم جواز الرجوع في حالة فقد الأب؛ فلأنها هبة ليتيم، والهبة لليتيم للإشفاق عليه وخوف ضياعه، وهذا معناه الصلة والقربة؛ فلذلك كان حكمها حكم الصدقة، ولا يجوز الرجوع في الصدقة. [ ص: 76 ]

        3- أما الرجوع إذا كان غنيا; لاحتماله المواساة.

        4- أما الرجوع إذا بلغ; فلخروجه عن حد اليتم.

        القول الثالث: أنها لا ترجع مطلقا.

        وهو وجه عند الشافعية، ووجه عند الشافعية، قال المحلي في شرحه على المنهاج: "على المشهور" وأحمد في رواية عنه، وهي المذهب".

        واحتجوا بما يلي:

        1- لأن للأب أن يتملك من مال ولده، والأم لا تتملك، كما سبق.

        ونوقش: بأنه لا تعارض بين الحكمين، فدليل الرجوع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إلا الوالد" وليس جواز الأخذ من مال الولد.

        2- ولأن للأب الولاية على ولده، ويحوز جميع المال في الميراث، والأم بخلافه.

        وهو مناقش بما نوقش به سابقه.

        الترجيح:

        والذي يظهر لي رجحانه: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من جواز الرجوع للأم مطلقا; لعموم الحديث، وقياسا على الأب، ثم إن الرجوع قد يتعين طريقا لتلافي ما وقعت فيه من جور بترك العدل بين الأولاد.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية