الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الشرط الخامس: أن تكون صيغة الإبراء منجزة:

        فإن كانت معلقة كقوله: إذا جاء رأس الشهر فأنت بريء من ديني، أو إذا قدم فلان فأنت بريء من ديني ونحو ذلك، ففي هذا قولان:

        القول الأول: صحة الإبراء مع التعليق.

        وهذا القول هو ظاهر مذهب المالكية، ورواية عن أحمد، واختيار شيخ الإسلام.

        القول الثاني: بطلان الإبراء مع التعليق.

        وإليه ذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة، إلا أن الحنفية، والشافعية يستثنون بعض الصور، كما سيأتي إيضاحه.

        فالحنفية يرون عدم صحة الإبراء المعلق إلا في مسائل، هي:

        1- إذا علق الإبراء على موت الدائن، فإنه يصح; لأنه حينئذ وصية، والوصية جائزة بعد الموت.

        2- إذا علق الإبراء على شرط متعارف، ومثاله: لو أبرأته مطلقته بشرط [ ص: 342 ] الإمهار صح التعليق; لأنه شرط متعارف، وتعليق الإبراء على شرط متعارف جائز.

        3- تعليق الإبراء على أمر كائن، مثل قوله لمديونه: إن كان عليك دين أبرأتك عنه، أو يقول: إن أعطيته شريكي فقد أبرأتك، وقد أعطاه.

        وأما الشافعية فهم أيضا يرون عدم صحة الإبراء المعلق، إلا أنهم استثنوا صورتين:

        الصورة الأولى: صحة تعليق الإبراء على موت المبرئ، واعتباره في حكم الوصية، مثاله: أن يقول: أبرأتك بعد موتي، أو: إذا مت فأنت بريء من كذا.

        الصورة الثانية: في الجعالة كما لو قال: إن رددت عبدي فأنت بريء من ديني فإذا رده برئ.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (صحة الإبراء المعلق):

        استدل لهذا الرأي بما تقدم من الأدلة على صحة تعليق الهبة.

        أدلة الرأي الثاني:

        استدلوا بالأدلة الآتية:

        1- ما تقدم من الأدلة على عدم صحة تعليق الهبة.

        وقد تقدم مناقشة هذه الأدلة.

        2- أن الإبراء فيه معنى التمليك، والتمليك لا يصح تعليقه.

        ونوقش هذا الاستدلال: أن دعوى أن الإبراء فيه معنى التمليك [ ص: 343 ] صحيحة، إلا أن فيه معنى الإسقاط من وجه آخر، كما تقدم إيضاحه حول اشتراط قبول المبرأ.

        الترجيح:

        الراجح -والله أعلم- صحة الإبراء المعلق; لما في ذلك من الإبراء المرغب فيه شرعا، والذي بموجبه فكاك ذمة المدين وتخليصه من ذل الدين.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية