الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يرزق سليمان بن ربيعة الباهلي عن القضاء كل شهر خمسمائة درهم ، وفيه دليل على أن الإمام يعطي القاضي كفايته من مال بيت المال ، وأنه لا بأس للقاضي أن يأخذ ذلك ; لأنه فرغ نفسه لعمل المسلمين فيكون كفايته وكفاية عياله في مال المسلمين ، وإن كان صاحب ثروة فإن لم يأخذ واحتسب في عمل القضاء فهو خير له والأصل فيه قوله تعالى { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } والآية في الوصي وهو يعمل لليتيم كما أن القاضي يعمل للمسلمين ، وإن الصحابة رضوان الله عليهم فرضوا لأبي بكر رضي الله عنه مقدار كفايته من مال المسلمين إلا أنه أوصى إلى عائشة رضي الله عنها أن ترد جميع ذلك حتى قال عمر رضي الله عنه يرحمك الله لقد أتعبت من بعدك وعمر رضي الله عنه كان يأخذ كفايته من مال بيت المال وعلي رضي الله عنه كذلك كان يأخذ كما قال إن لي من مالكم كل يوم قصعة ثريد وعثمان رضي الله عنه كان لا يأخذ لثروته ، ثم ذكر عن شريح رحمه الله أنه قال مالي لا أرتزق وأستوفي منه وأوفيهم أصبر لهم نفسي في المجلس وأعدل بينهم في القضاء ، وإن شريحا رحمه الله كان قاضيا في زمن عمر وعلي رضي الله عنهما وعمر رضي الله عنه كان يرزقه كل شهر مائة درهم وعلي رضي الله عنه كان يرزقه كل شهر خمسمائة درهم ، وذلك لقلة عياله في زمن عمر رضي الله عنه ورخص سعر الطعام وكثرة عياله في زمن علي رضي الله عنه وغلاء سعر الطعام فإن رزق القاضي لا يتقدر بشيء ; لأن ذلك ليس بأجر فالاستئجار على القضاء لا يجوز ، وإنما يعطى كفايته وكفاية عياله وكان بعض أصدقاء شريح رحمه الله عاتبه في ذلك . وقال لو احتسبت قال في جوابه ومالي لا أرتزق فبين أنه فرغ نفسه لعمل القضاء ولا بد له من الكفاية . فإذا لم يرتزق احتاج إلى الرشوة ففيه بيان أن القاضي إذا كان محتاجا ينبغي له أن يأخذ مقدار كفايته لكي لا يطمع في أموال الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية