الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
، ولو جاء بكتاب قاض بشهادة شهود على دار ليس فيها حدود لم يجز ذلك كما لو شهدوا به في مجلسه ، وهذا ; لأن المشهود به مجهول ففيما لا يمكن إحضاره مجلس القاضي التعريف بذكر الحدود فيبقى مجهولا بدونه ، وكذلك لو كانوا حدوها بحدين إلا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله قال إذا ذكروا أحد حدي الطول وأحد حد العرض يجوز للقاضي أن يقضي ويكتفي به ، وهذا ليس بصحيح ; لأن بذكر الحدين لا يصير مقدار المشهود به معلوما فإن حدوها بثلاثة حدود جاز عندنا استحسانا وعلى قول زفر رحمه الله لا يجوز لبقاء بعض الجهالة حين لم يذكروا الحد الرابع وقياس هذا بما لو ذكروا الحدود الأربعة وغلطوا في أحدها ، ولكنا نقول [ ص: 100 ] قد ذكروا أكثر الحدود وإقامة الأكثر مقام الكل أصل في الشرع ، ثم مقدار الطول بذكر الحدين صار معلوما ومقدار العرض بذكر أحد الحدين بعد إعلام الطول يصير معلوما أيضا ، وقد تكون الأرض مثلثة لها ثلاثة حدود . فإذا كانت بهذه الصفة فلا خلاف أنه يكتفى بذكر الحدود الثلاثة ، وهذا بخلاف ما إذا غلطوا في ذكر أحد الحدود ; لأن المشهود به بما ذكروا صار شيئا آخر

والفرق ظاهر بين المسكوت عنه ، وما إذا خالفوا في ذكره كما إذا ادعى شراء شيء بثمن منقود فإن الشهادة على ذلك تقبل ، وإن سكت الشهود عن ذكر جنس الثمن ، ولو ذكروا ذلك واختلفوا فيه لم تقبل الشهادة فهذا مثله ، وإن لم يحدوها ونسبوها إلى اسم معروف لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله وجاز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله ; لأن التعريف بالشهرة كالتعريف بذكر الحدود ، أو أبلغ وذكر الحدود في العقارات كذكر الاسم والنسب في الآدمي ، ثم هناك الشهرة تغني عن ذكر الاسم والنسب فهذا مثله وأبو حنيفة رحمه الله يقول بالشهرة يصير موضع الأصل معلوما . فأما مقدار المشهود به لا يصير معلوما إلا بذكر الحدود وجهالة المقدار تمنع من القضاء ومعنى هذا أن الدار المشهودة قد يزاد فيها وينقص منها ولا تتغير الشهرة بذلك بخلاف الآدمي فإنه لا يزاد فيه ولا ينقص منه والحاجة هناك إلى إعلام أصله وبالشهرة يصير معلوما

ولو جاء بكتاب قاض أن لفلان على فلان الذي عند فلان بن فلان الفلاني كذا كذا أجزته ; لأن المملوك يعرف بالنسبة إلى مالكه فالنسبة إلى الأب والقبيلة تتعطل بالرق ، وإنما ينسب إلى مالكه .

( ألا ترى ) أن الولاية على المملوك لمالكه دون أبيه . فإذا نسبه إلى مالك معروف بالشهرة ، أو بذكر الاسم والنسب فقد تم تعريفه بذلك ، وكذلك إن نسب العبد إلى عمل أو تجارة يعرف بها فالتعريف في الحر يحصل بذلك في ظاهر الرواية . فكذلك في العبد ، وإن جاء بالكتاب أن العبد له لم يجز ذلك وهما في القياس سواء ، وقد بينا هذه المسألة في كتاب الآبق ما يقبل فيه كتاب القاضي ، وما لا يقبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية