الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما في شهادة أحد الزوجين لصاحبه يخالفنا الشافعي رحمه الله فيقول تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه ; لأنه ليس بينهما بعضية والزوجية قد تكون سببا للتنافر والعداوة ، وقد تكون سببا للميل والإيثار فهي نظير الإخوة [ ص: 123 ] أو دون الأخوة فإنها تحتمل القطع والأخوة لا تحتمل ودليل هذا الوصف جريان القصاص بينهما في الطريقين في النفس ، وأن كل واحد منهما لا يعتق على صاحبه إذا ملكه ، ولأن هذه وصلة بينهما باعتبار عقد لا يؤثر في المنع من قبول الشهادة كالصداق والإظهار والأختان ، وهذا ; لأن عقد النكاح يثبت أحكاما مشتركة بينهما ففيما وراء ذلك ينزل كل واحد منهما من صاحبه منزلة الأجنبي كشريكي العنان وحجتنا في ذلك أن ما بينهما من وصلة الزوجية يمكن تهمة في شهادة كل واحد منهما لصاحبه .

وبيان ذلك من وجوه أحدها أن عقد النكاح مشروع لهذا وهو أن يألف كل واحد منهما بصاحبه ويميل إليه ويؤثره على غيره وإليه أشار الله تعالى في قوله { خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها } وهو مشروع لمعنى الاتحاد في القيام بمصالح المعيشة ; ولهذا { جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمور داخل البيت على فاطمة رضي الله عنها وأمور خارج البيت على علي رضي الله عنه } ، وبهما تقوم مصالح المعيشة فكان في ذلك كشخص واحد ولا يقال هذا الاتحاد بينهما في حقوق النكاح خاصة ; لأن معنى الاتحاد في حقوق النكاح مستحق شرعا ، وفيما وراء ذلك ثابت عرفا فالظاهر ميل كل واحد منهما إلى صاحبه وإيثاره على غيره كما في الآباء والأولاد بل أظهر فإن الإنسان قد يعادي والديه لترضى زوجته ، وقد تأخذ المرأة من مال أبيها فتدفعه إلى زوجها والدليل عليه أن كل واحد منهما يعد منفعة صاحبه منفعته ويعد الزوج غنيا بمال الزوجة قيل في تأويل قوله تعالى { ووجدك عائلا فأغنى } أي غنى بمال خديجة رضي الله عنها ولما جاء إلى عمر رضي الله عنه رجل فقال إن عبدي سرق مرآة امرأتي فقال مالك سرق بعضه بعضا والدليل على أن الزوجة بمنزلة الأولاد حكما استحقاق الإرث بها من غير حجب بمن هو أقرب .

توضيح الفرق ما قلنا إن الزوجة بمنزلة الأصل للولاد فإن الولاد تنشأ من الزوجية والحكم الثابت للفرع يثبت في الأصل ، وإن انعدم ذلك المعنى فيه .

( ألا ترى ) أن المحرم إذا كسر بيض الصيد يلزمه الجزاء ، وليس في البيض معنى الصيدية ، ولكنه أصل الصيد فيثبت فيه من الحكم ما يثبت في الصيد إلا أن هذا الأصل إنما يلحق بالولاد في حكم يتصور قيام الزوجية عند ثبوت ذلك الحكم دون ما لا يتصور كالقصاص فإنه يجب بعد القتل ولا زوجية بعد قتل أحدهما صاحبه والعتق إنما يثبت بعد الملك ولا زوجية بعد الملك . فأما حكم الشهادة يكون في حال قيام الزوجية فيلحق الزوجية فيه بالولاد وكان سفيان الثوري رحمه الله يقول شهادة الزوج لزوجته تقبل وشهادة المرأة لزوجها لا تقبل ; لأنها في [ ص: 124 ] حكم المملوك له المقهور تحت يده فيتمكن تهمة الكذب في شهادتها له ، وذلك تنعدم في شهادته لها واعتمد فيه حديث علي رضي الله عنه فإنه شهد لفاطمة رضي الله عنها في دعوى فدك مع امرأة بين يدي أبي بكر رضي الله عنه فقال لها أبو بكر رضي الله عنه ضمي إلى الرجل رجلا أو إلى المرأة امرأة فهذا اتفاق منهما على جواز شهادة الزوج لزوجته .

ولكنا نقول دليل التهمة تعم الجانبين من الوجه الذي قررنا فربما يكون ذلك في جانب الزوج أظهر ; لأنها لما كانت في يده فما لها في يده من وجه أيضا فهو يثبت اليد لنفسه في المشهود به ، وكذلك بكثرة مالها تزداد قيمة ملكه فإن قيمة المملوك بالنكاح تختلف بقلة مالها وكثرة مالها . بيان ذلك في مهر المثل فمن هذا الوجه يكون الزوج شاهدا لنفسه ولا حجة في حديث علي رضي الله عنه ; لأن أبا بكر رضي الله عنه لم يعمل بتلك الشهادة بل ردها وكان للرد طريقان الزوجية ونقصان العدد فأشار إلى أبعد الوجهين تحرزا عن الوحشة ، وكذلك علي رضي الله عنه علم أن أبا بكر رضي الله عنه لا يعمل بتلك الشهادة لنقصان العدد وكره انحسامها بالامتناع من أداء الشهادة ; فلهذا شهد لها ، وقد قيل إن شهادة علي رضي الله عنه لها لم تشتهر ، وإنما المشهور أنه شهد لها رجل وامرأة .

التالي السابق


الخدمات العلمية