الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا وجد القاضي في ديوانه صحيفة فيها شهادة شهود لا يحفظ أنهم شهدوا عنده بذلك فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله أن يتفكر في ذلك حتى يتذكر ، وليس له أن يقضي بذلك إن لم يتذكر ، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إذا وجد ذلك في قمطرة تحت خاتمه فعليه أن يقضي به ، وإن لم يتذكر ، وهذا منهما نوع رخصة فالقاضي لكثرة اشتغاله يعجز أن يحفظ كل حادثة ; ولهذا يكتب ، وإنما يحصل المقصود بالكتاب إذا جاز له أن يعتمد على الكتاب عند النسيان فإن الآدمي ليس في وسعه التحرز عند النسيان .

( ألا ترى ) إلى ما ذكر الله تعالى في حق من هو معصوم فقال الله تعالى { سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله } ، وفي تخصيصه بذلك بيان أن غيره ينسى وسمي الإنسان إنسانا ; لأنه ينسى قال الله تعالى { . ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما } فلو لم يجز له الاعتماد على كتابه عند نسيانه أدى إلى الحرج والحرج مدفوع ، ثم ما كان في قمطرة تحت خاتمه فالظاهر أنه حق ، وإن لم يصل إليه يد معتبرة ولا زائدة فيه والقاضي مأمور باتباع الظاهر ومذهب أبي حنيفة رحمه الله هو العزيمة فالمقصود من الكتاب أن يتذكر إذا نظر فيه ; لأن الكتاب للقلب كالمرآة للعين ، وإنما تعتبر المرآة ليحصل الإدراك بالعين . فإذا لم يحصل كان وجوده كعدمه .

فكذلك الكتاب للتذكر بالقلب عند النظر فيه فإذ لم يتذكر كان وجوده كعدمه ، وهذا ; لأن الكتاب قد يزور ويفتعل به والخط يشبه الخط والخاتم يشبه الخاتم ، وليس للقاضي أن يقضي إلا بعلم وبوجود الكتاب لا يستفيد العلم مع احتمال التزوير والافتعال فيه وهذه ثلاثة فصول أحدهما ما بينا والثاني في الشاهد إذا وجد شهادته في صك وعلم أنه خطه وهو معروف ، ولكن لم يتذكر الحادثة والثالث إذا سمع الحديث فوجده مكتوبا بخطه ووجد سماعه مكتوبا غيره وهو خط معروف ، ولكنه لم يذكر في الفصول الثلاثة عند أبي حنيفة رحمه الله ليس له أن يعتمد الكتاب ; ولهذا قلت له [ ص: 93 ] روايته ; لأنه كان يشترط في الرواية الحفظ من حين سمع إلى أن يروي وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { نضر الله امرأ سمع منا مقالة فوعاها كما سمعها ، ثم أداها إلى من يسمعها } ومحمد رحمه الله في الفصول الثلاثة أخذ بالرخصة للتيسير على الناس .

وقال يعتمد خطه إذا كان معروفا وأبو يوسف رحمه الله في مسألة القاضي ورواية الحديث أخذ بالرخصة ; لأن المكتوب كان في يده ، وفي مسألة الشهادة أخذ بالعزيمة فقال الصك الذي فيه الشهادة كان في يد الخصم فلا يأمن الشاهد التغيير والتبديل فيه فلا يعتمد خطه في الشهادة ما لم يتذكر الحادثة ، وإن وجد القاضي سجلا في خريطته ولم يتذكر الحاجة فهو على الخلاف الذي بينا ، وإن نسي قضاءه ولم يكن سجل فشهد عنده شاهد أنك قضيت بكذا لهذا على هذا فإن تذكر أمضاه ، وإن لم يتذكر فلا إشكال أن على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يقضي بذلك وقيل على قول أبي يوسف رحمه الله لا يعتمد ذلك ، وعند محمد رحمه الله يعتمد ذلك فيقضي به وعلى هذا من سمع من غيره حديثا ، ثم نسي ذلك راوي الأصل فسمعه ممن يروي عنده فعند أبي يوسف رحمه الله ليس له أن يعتمد رواية الغير عنه كما لا يفعل ذلك شاهد الأصل إذا شهد عنده شاهد الفرع على شهادته ، وعند محمد رحمه الله له أن يعتمد ذلك للتيسير من الوجه الذي قلنا وعلى هذه المسائل التي اختلف فيها أبو يوسف ومحمد رحمهم الله في الرواية في الجامع الصغير وهي ثلاث مسائل سمعها محمد من أبي يوسف رحمهما الله ، ثم نسي ذلك أبو يوسف رحمه الله فكان لا يعتمد رواية محمد رحمه الله بناء على مذهبه في ذلك ومحمد رحمه الله كان لا يدع الرواية مع ذلك بناء على مذهبه فحال القاضي كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية