الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وذكر هشام عن محمد رحمهما الله قال ابتلينا بمسألة وهو أن مسلما استؤجر على أن ينقل جيفة ميتة [ ص: 39 ] من المشركين من بلد إلى بلد . فكذلك قال أبو يوسف رحمه الله لا أجر له ; لأنه إنما يحمل حمل الجيفة إلى المقبرة لإماطة الأذى . فأما حملهما من بلد إلى بلد فهو معصية لا يجوز الاستئجار عليه ( وقلت ) أنا إن كان الأجير عالما بما أمر بحمله فلا أجر له أيضا ، وإن لم يعلم بذلك فله الأجر لمعنى الغرور واستئجار الذمي الدابة من المسلم ، أو السفينة لينقل عليها خمرا على الخلاف الذي بينا ، وإن استأجر ذمي ذميا لشيء من ذلك فهو جائز ، وكذلك لو استأجره يرعى له خنازير ; لأن الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم بمنزلة الشاة والبعير في حقنا ، وإن استأجره ليبيع له ميتة ، أو دما لم يجز ; لأن هذا ليس بمال في حق أحد فحكمهم فيها كحكم المسلمين ولا بأس بأن يؤاجر المسلم دارا من الذمي ليسكنها فإن شرب فيها الخمر ، أو عبد فيها الصليب ، أو أدخل فيها الخنازير لم يلحق المسلم إثم في شيء من ذلك ; لأنه لم يؤاجرها لذلك والمعصية في فعل المستأجر وفعله دون قصد رب الدار فلا إثم على رب الدار في ذلك كمن باع غلاما ممن يقصد الفاحشة به ، أو باع جارية ممن لا يشتريها ، أو يأتيها في غير المأتى لم يلحق البائع إثم في شيء من هذه الأفعال التي يأتي بها المشتري ، وكذلك لو اتخذ فيها بيعة ، أو كنيسة أو باع فيها الخمر بعد أن يكون ذلك في السواد ويمنعون من إحداث ذلك في الأمصار ، وقد بينا ذلك الكلام في هذا الفصل فيما سبق واستدل بحديث ثوبة بن نمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا إخصاء ولا كنيسة في الإسلام } ولحديث مكحول أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه صالحهم بالشام على أن يحصل عن كنائسهم القديمة وعلى أن لا يحدثوا كنيسة في مصر من أمصار المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية