الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
رجل يدعي دارا في يد رجل أنها له وشهد له بها شاهدان أحدهما بالشراء والآخر بالهبة فالشهادة باطلة ; لأن المدعي لا بد أن يدعي أحد السببين ، وبه يكون مكذبا أحد الشاهدين لا محالة ، ولأن الهبة غير البيع ، وليس على واحد من السبيين حجة تامة ، وكذلك لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالصدقة ، أو الرهن ، أو الميراث أو الوصية فهو باطل للمعنيين ، وكذلك لو شهد أحدهما بالميراث والآخر بالوصية فهو باطل للمعنيين . وإذا ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له ، وأنه لم يتصدق بها عليه وأقام شاهدين على الصدقة . وقال لم يهبها لي قط ، وقد ادعى الهبة عند القاضي فهذا إكذاب منه لشاهديه وهو تناقض منه في الكلام فقد زعم مرة أنه لم يتصدق بها عليه ، ثم ادعى الصدقة بعد ذلك وزعم مرة أنه وهبها له ، ثم قال لم يهبها لي قط ولا تناقض أظهر من هذا ومع التناقض لا يسمع دعواه والبينة لا تقبل إلا بعد دعوى صحيحة ، ثم إكذاب المدعي شاهده تخرج شهادته من أن تكون حجة له ، وكذلك لو ادعى أنها ميراث لم يشترها قط ، ثم جاء بعد ذلك فقال هي بشراء ولم أرثها قط وجاء بشاهدين على الشراء منذ سنة فهو باطل لمعنى التناقض والإكذاب فإن ادعاها هبة ولم يقل لم يتصدق بها علي قط ، ثم جاء بعد ذلك بشهود على الصدقة . وقال لما جحدني الهبة سألته أن يتصدق بها علي ففعل أجزت هذا ; لأنه وفق بين كلاميه بتوفيق صحيح فينعدم له الإكذاب والتناقض [ ص: 173 ]

( ألا ترى ) أنا لو عاينا ما أخبر به كان الملك ثابتا له بجهة الصدقة . فكذلك إذا أخبر به وأثبته بالبينة ، وكذلك لو قال ورثتها ، ثم قال جحدني الميراث فاشتريتها منه وجاء بشاهدين على الشراء ; لأن معنى التناقض والإكذاب انعدم بتوفيقه ، وهذا بخلاف ما لو كان ادعى الشراء أولا ، ثم جاء بشاهدين يشهدان على أنه ورثه من أبيه ; لأن في هذا الموضع لا وجه للتوفيق ; لأنه لا يمكنه أن يقول اشتريتها منه كما ادعيت ، ثم جحدني الشراء فورثتها من أبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية