الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            انتشار الإسلام في كوسوفا

            سامر بابروش أحمدي

            الفصل الثالث

            الفتح العثماني لكوسوفا

            المبحث الأول

            التعريف بالعثمانيين

            في المنطقة التي كان يصطلح عليها قديما بـ «ما وراء النهر» والتي يسميها الناس في يومنا هـذا بـ « تركستان » استوطنت عشائر الغز وقبائلها العظمى، وعرفوا بالترك أو الأتراك [1] .

            وبمرور الزمن تكاثرت أعدادهم وضاقت الأراضي بهم والمراعي بمواشيهم وأغنامهم فاضطروا إلى البحث عن مناطق أكثر اتساعا وغنى من منطقتهم، فوقع اختيارهم على منطقة آسيا الصغرى فارتحلوا إليها.. وهنالك من المؤرخين من يرى أن هـذه القبائل قد اضطرت لترك مواطنها الأصلية أمام ضغط القبائل المغولية، التي تفوقها عددا وقوة وعتادا بالاتجاه غربا، والاستقرار في بداية الأمر قريبا من شواطئ نهر «جيحون» ثم انتقلت إلى « طبرستان » واستقرت فيها لفترة من الزمن، ثم انتقلت إلى « جرجان »، [ ص: 107 ] وألقت عصا الترحال بها. وفي عام 21هـ/641م سقطت الدولة الساسانية في أيدي المسلمين، وبذلك أصبح الوجود الإسلامي قريبا من المناطق التي استقرت فيها هـذه القبائل التركية، وبدأت بعض العلاقات الحميمة تنشأ بين الجانبين بحكم الجوار [2] .

            وفي الربع الأول من القرن الثالث عشر الميلادي ظهر المغول كقوة سياسية لها وزنها العسكري ورغبة عارمة في التوسع على حساب الدولة الإسلامية والدول الأخرى القائمة وقتذاك، وكان يقودهم « جنكيزخان »، وتمكنوا من بسط سيطرتـهم على شمال الصين ثم زحفوا نحو « تركستان »، ولم يكن هـنالك جيش بشري وقتذاك يمتلك القدرات العسكرية التي تؤهله للتصدي لهم. ثم توجهوا بعد ذلك نحو أرض الإسلام [3] ، فهاجموا دولة «خوارزم شاه» [4] في ما وراء النهر وهي دولة إسلامية فلم تقدر على مقاومتهم، فاضطر أهلها وسكان المناطق المجاورة لها إلى الفرار إلى المناطق الأكثر أمنا.. ومن القبائل التي تأثرت بالزحف المغولي وتعرض وجودها للخطر القبائل التركية، فاضطرت مجموعات منها إلى مغادرة أوطانها [ ص: 108 ] والبحث عن أماكن أكثر أمنا وتوافرا على مقومات الحياة الأساسية، فاتجهت جهة الغرب نحو إيران [5] .

            واستقرت مجموعات منها في العراق الشمالي وبعضها في غرب إيران وفي قفقاسيا [6] وبلاد الأناضول [7] . وبالنسبة إلى المجموعة التي استقرت في الأناضول فقد كانت بقيادة سليمان بن قيالب «جد عثمان مؤسس الدولة العثمانية» وكانت هـجرتها من خراسان في عام 617هـ / 1220م، وكان استقرارها في الأناضول في مدينة « أخلاط » [8] .. وفي عام 628هـ / 1230م توفي سليمان وخلفه ابنه الأوسط « أرطغرل »، وفي عهده بدأت عشيرته والقبائل التركية المنضوية تحت لوائها، ويقـدر عددها بحوالي مائة أسرة [ ص: 109 ] تضم أكثر من أربعمائة فارس [9] التحرك نحو الشمال الغربي للأناضول. وبينما هـم في سيرهم شاهد « أرطغرل » من البعد جيشين يقتتلان وبعد تمعن وتدبر اتضح له أن أحد الجيشين على دين الإسلام وأن الجيش الآخر متفوق عليه في ساحة المعركة، فلم يتردد «أرطغرل» في دخول المعركة إلى جانب الجيش الإسلامي وبفضل بلائه وبلاء مجموعته في قتال الأعداء رجحت كفة المسلمين، وبعد أن ألقت الحرب أوزارها اتضح «لأرطغرل» أن الجيش الإسلامي الذي قاتل إلى جانبه هـو جيش سلطنة قونية، التي تأسست بعد وفاة السلطان السلجوقي ملك شاه [10] في 15 شوال 485هـ/18 نوفمبر 1092م [11] وزوال دولة آل سلجوق، وكان سلطان قونية وقائد جيشها هـو الأمير علاء الدين ، أما الجيش المعادي لعلاء الدين فهو جيش البيزنطيين.

            قدر قائد الجيش الإسلامي السلجوقي علاء الدين الموقف المشرف والبطولي لرئيس العشيرة التركية وفرسانه، فأقطعه عددا من الأقاليم والمدن وقربه إليه، وجعله ذراعه الأيمن في كل حروباته ضد الروم. وكان بعد كل انتصار يحققه على أعدائه يجزل له العطاء ويمنحه العديد من الإقطاعات، الشيء الذي مكن «أرطغرل» من تكوين إمارة خاصة به ذات علاقة [ ص: 110 ] متميزة مع سلطنة قونية. وظلت هـذه العلاقة قوية ومتينة حتى وفاة القائد التركي « أرطغرل » 699هـ / 1299م [12] . ثم خلف «أرطغرل» ابنه عثمان خان [13] الأول، الذي تنتمي إليه الدولة العثمانية، والمولود في عام 656هـ / 1258م وهو العام الذي هـاجم وأغار فيه المغول على بغداد عاصمة الخلافة العباسية بقيادة « هـولاكو » ووقعت فيه أحداث جسيمة ومصائب عظيمة [14] .

            ترعرع عثمان تحت رعاية أبيه، وتدرب على يديه عسكريا، وتولى الحكم في عام 699هـ / 1299م، أي قبل عام واحد من وفاة السلطان السلجوقي علاء الدين، واستولى عثمان على المناطق التي فتحها أبوه وتلك التي افتتحها هـو بنفسه، ويعتبر السلطان عثمان جدا للأتراك، وفي الوقت نفسه يعتبر مؤسسا للدولة العثمانية، ويسمى أفراد هـذه الدولة بالعثمانيين. كان السلطان عثمان قائدا مرشدا، ومتدينا شجاعا، ومرتبطا بسبيل الله عز وجل ، وكان رجلا مباركا. وفي عام 700هـ/1300م توفي السلطان السلجوقي علاء الدين فأحدثت وفاته اضطرابا في دولته، ولكن معظم جيش السلطان السلجوقي قد اتجهت أنظاره إلى السلطان عثمان، باعتباره الحليف [ ص: 111 ] الأقرب إلى السلطان علاء الدين والقائد الأوحد الذي يمتلك الصفات والمؤهلات والمعدات التي تمكنه من توحيد الصف الإسلامي والتصدي للعدو البيزنطي، فانضموا إلى جيشه [15] .

            استأنف السلطان عثمان الحروب ضد الإمبراطورية البيزنطية وفتح كثيرا من أراضيها، والتحق كثير من المجاهدين من جميع أنحاء آسيا الصغرى بصفوف جيشه، كما ساعدت القبائل الأخرى من إخوانه الأتراك، وانضمت إلى جيشه جماعات كثيرة من العلماء والتجار والصناع [16] .

            اهتم عثمان بتنظيم أتباعه وصهرهم في بوتقة واحدة، كما أولى اهتماما خاصا بتحسين علاقاته مع الإمارات التركمانية المجاورة لسلطنته [17] ، فكللت مساعيه بالنجاح، وبدأ اسمه يتردد على الألسن في هـذه الإمارات باعتباره قائدا مسلما مجاهدا في سبيل الله [18] .

            فاستغل عثمـان هـذه الظرفية وبدأ في توسيع دولته، وتمكن من الوصول إلى شواطئ بحر مرمره والبحر الأسود وبلدة « يني شهر » [19] عند [ ص: 112 ] مخاضة نهر سقاريا [20] .

            واتخذ مدينة « يني شهر » عاصمة لدولته، ودعا نفسه «بادشاه آل عثمان» وتعني (سلطان العثمانيين) .. واستطاع السلطان عثمان أن يفتح العديد من المناطق في آسيا الصغرى من ضمنها مدينة « بروسه » [21] التي كانت تعتبر من أهم الحصون في آسيا الصغرى كلها [22] .

            وفي سنة 726هـ /1325م مرض السلطان عثمان مرضه الذي توفي بسببه، وأوصى بالخلافة لابنه «أورخان» وأوصاه بالسهر لأجل الحفاظ على دولته وتوفير الأمن والاستقرار لرعيته [23] .

            ولد السلطان «أورخان» في سنة 687هـ / 1288م وهو الثاني من أبناء أبيه من حيث السن [24] . وقد اهتم والده بتنشئته وتربيته تربية تؤهله لأن يكون ساعدا له في حياته وخليفة له بعد مماته، وقد سار على سياسة والده نفسها في الحكم والفتوحات [25] ، وحول السلطان «أورخان» عاصمته من [ ص: 113 ] مدينة « يني شهر » إلى مدينة « بورسه » واهتم بالعملة، فضرب عملة من الفضة وأخرى من الذهب، واهتم بالجيش فكون جيشا جديدا أطلق عليه اسم (يني تشاري) وتعني العسكر الحديث، وكون هـذا الجيش من أبناء الأسرى والأطفال الصغار الذين وقعوا في الأسر. وقد وضعت الدولة نظاما خاصا لإعداد هـؤلاء الأطفال للحياة العسكرية يقوم على تنشئتهم تنشئة إسلامية في مدارس خاصة، ثم تدريبهم تدريبا عسـكريا بحيث لا يعرفون إلا الدين الإسلامي والحياة العسكرية والقتال والجهاد في سبيل الله، وليس هـناك روابط قبائلية أو عشائرية فيما بينهم أو مع غيرهم، ولا ولاء لهم إلا للسلطان الذي يعتبرونه سيدا لهم.. وبفضل هـذا الإعداد وبراعته اضطلعت الدولة العثمانية بدور مهم في الدفاع عنها وتوسيع رقعتها [26] .

            وفي عام 761هـ/1359م توفي السلطان «أورخان»، وله من العمر ثلاث وثمانون سنة، ودفن في مدينة « بورسه » بعد أن حكم الدولة العثمانية خمسا وثلاثين سنة (726–761هـ/1327–1360م) ، وكان السلطان قائدا مرشدا، ومؤمنا متواضعا، اشتهر بحسن السلوك، وكان مجاهدا في سبيل الله سبحانه وتعالى ، وقد بنى السلطان «أورخان» مساجد كثيرة ومدارس عديدة، ومؤسسات أخرى لخدمة رعاياه.. وبعد وفاة السلطان «أورخان» تولى الحكم ابنه وخليفته «مراد» الأول [27] . [ ص: 114 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية