الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            انتشار الإسلام في كوسوفا

            سامر بابروش أحمدي

            المبحث الرابع

            استيلاء العثمانيين على كوسوفا ونواحيها

            بعد أن انتصر العثمانيون في معركة «كوسوفا» شرعوا في ضم بقية الأماكن والمدن الكوسوفية إلى دائرة نفوذهم، وقد كانت مدينة «نوووبردا» الكوسوفية من ضمن المدن الكبرى للدولة العثمانية [1] ، وكانت تعد من المدن العظيمة بثرواتها الثمينة، ثم تمكن العثمانيون من فتح مدينة « بريزرن » الكوسوفية في عام 864هـ/1459م وتشرف السلطان محمد الفاتح بفتحها بنفسه، وفتحت مدينة « بييا » الكوسوفية في عام 867هـ/1462م.

            وهناك عدة عوامل ساعدت في التقدم السريع للدولة العثمانية في بلاد البلقان عامة وفي «كوسوفا» خاصة، وأهمها كالآتي:-

            أولا: عداوة الناس فيما بينهم وخاصة الأغنياء.

            ثانيا: اضطراب الجانب الديني في البلقان، وفي الدول الأوروبية كذلك.

            ثالثا: اشتهار العثمانيون بالتسامح والاحترام لأصحاب الديانات الأخرى واحترام أماكنهم المقدسة، وإتاحة الحريات لهم لممارسة شعائرهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم، وحسن المعاملة والمساواة في الحقوق والواجبات بالنسبة للذين دخلوا في الإسلام مع إخوانهم العثمانيين [2] . [ ص: 133 ] أما عن تقويم أحوال « كوسوفا » بصفة خاصة وبلاد البلقان بصفة عامة في ظل الحكم العثماني فالمؤرخ البريطاني المعاصر « نويل مالكوم – NoelMalcolm» ذكر في كتابه المسمى بـ «مختصر تاريخ كوسوفا»: أن معظم سكان الدول البلقانية ينظرون إلى العثمانيين كهمجيين آسيويين، بما أفسدوا في المناطق التي استولوا عليها، وأفسدوا الثقافة الشعبية، التي كانت مزدهرة قبلهم في بلاد البلقان، وفرضوا عليها نظام حكم مخالف لما كان سائدا فيها، وعملوا كل ما في وسعهم لمسخ الهوية المحلية، وفرض هـويتهم عوضا عنها، وتغيير الخريطة الديموغرافية بتهجير مجموعة كبيرة من بني جلدتهم وتوطينهم وإعطائهم إقطاعات وامتيازات على حساب السكان الأصليين، وأكرهوا النصارى للتحول للإسلام، ومارسوا عليهم كل أنواع الظلم والاضطهاد، وحولوهم إلى عبيد للأرض.

            ولكن «نويل» نفسه لم يكن مساندا لوجهة النظر هـذه، لأنه يعتبرها متطرفة ولا تمت إلى الواقع بشيء [3] ؛ فهو يرى أن الحكم العثماني للبلقان في السنوات المبكرة، على الأقل، وإلى نهاية القرن السادس عشر، كان حكما منظما، والرؤية السلبية للحكم العثماني بأنه حاول إلغاء الهوية الذاتية الشعبية للبلقانيين في تلك الفترة المبكرة من الزمن رؤية ليس لها معنى؛ لأن الرؤية المعاصرة للهوية الذاتية الشعبية لم تكن حاضرة في هـذا الجزء الأوروبي [ ص: 134 ] وقتذاك، وأن المستعـمرات الاستيطانية التركية كانت ظاهرة نادرة في البلقان، ومحدودة، وتوجد فقط في بعض المناطق من بلغاريا وثراقيا ومقدونيا ، ولا وجود لها في كوسوفا وألبانيا والمناطق السلافية في الشمال، وأن العثمانيين بدلا من أن يحولوا القرويين إلى عبيد للأرض فإن القرويين البلقانيين، في الحقيقة، قد حصلوا أثناء الحكم العثماني على حقوق أكثر في علاقاتهم مع ساداتهم.

            أما فيما يتعلق بالتسامح الديني فقد سمح العثمانيون للكنائس المحلية الأرثوذكسية أن تستمر فيها بقيادة مؤمنيها [4] ، وأن تؤسس محاكم خاصة بها، وتتولى الإشراف عليها للنظر في مشاكل معتنقيها وفقا لقوانينها، وأعطيت طائفة اليهود الامتيازات السابقة نفسها [5] .

            وعلاوة على ما سبق، فقد فتح العثمانيون أبواب الانخراط في الوظيفة العمومية، والتدرج فيها إلى أعلى الدرجات للألبانيين وفقا لمؤهلاتهم العلمية ومهاراتهم المهنية، وقد انتهز الألبانيون هـذه الفرصة ووصل منهم اثنان إلى منصب الصدر الأعظم «رئيس الوزراء» في القرن الخامس عشر الميلادي وهما « غديك أحمد باشا GediK Ahmed Pasha» و « داوود باشا Daut Pasha»، [ ص: 135 ] أما العدد العام للصدور العظام الألبانيين في تاريخ الدولة العثمانية بما فيهم ألبان كوسوفا فقد وصل إلى اثنين وأربعين صدرا أعظما [6] .

            أما المناصب الإدارية والاقتصادية والعسكرية فقد كانت طيلة الحكم العثماني بأيدي الألبانيين، وهذا يعني أن العثمانيين لم يتدخلوا في سير الشأن الداخلي، الأمر الذي أدى إلى تلاشي المقاومة الألبانية للحكم العثماني [7] ، وفوق هـذا وذاك أدى استيلاء العثمانيين على الأراضي «الكوسوفية»، واستقرار حكمهم إلى إنهاء الحكم الصربي، وإلغاء أصول الحكم الديني الأرثوذكسي، أي الحكم الذي كانت تتولاه الكنيسة الأرثوذكسية الصربية ضد الشعب الألباني، وسهل استيلاء العثمانيين انفصال الكوسوفيين من الكنيسة الأرثوذكسية وانتقالهم من الحكم الصربي إلى الدين الإسلامي [8] . [ ص: 136 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية