الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            انتشار الإسلام في كوسوفا

            سامر بابروش أحمدي

            المبحث الرابع

            أصل اللغة الألبانية

            تنتمي اللغة الألبانية إلى مجموعة اللغات «الهندوأوروبية»، التي تنتشر في نطاق جغرافي يبدأ من إيرلاندا في الغرب، حيث اللغة الكلتية، ويمتد حتى الهند في الشرق.. وهذه اللغات هـي: اللغة الهندية والإيرانية والآرمنية واليونانية والألبانية والإيطالية والكلتية والألمانية وأخيرا اللغة السلافية [1] .

            وقد اكتشف « فرانس بوبي Franc Boppi» (1206–1284 / 1791 – 1867م) العالم اللغوي المعروف والأستاذ في جامعة «برلين» الألمانية، خاصية اللغة الألبانية، وذلك بعد جهد كبير بذل في عام 1271هـ\1854م؛ وتدل هـذه الخاصية على أن اللغة الألبانية تعتبر إحدى اللغات الهندوأوروبية. ويؤيد هـذه الحقيقة العالم « أوغوست شلايجري August Schleicheri»، الذي كان تلميذا لـ «بوبي» الذي أدخل اللغة الألبانية في شجرة اللغات الهندوأوروبية، وذلك بناء على الصلات المتقاربة بين تلك اللغات، ويضع اللغة الألبانية بالقرب من اللغة اليونانية واللاتينية ولكنه يجعلها أقرب إلى اليونانية [2] .

            ويعتبر الألبانيون الجدد – كما أسلفنا- أحفادا للألبانيين القدامى، ولغة [ ص: 66 ] الألبانيين اليوم ترجع في أصولها إلى اللغة التي كان سكان بلاد البلقان يتكلمون بها منذ ظهورهم على مسرح التاريخ [3] .

            وتوصل العالم « ماكسيميليان لامبرتزي Maximilian Lambertzi» (1300-1383هـ/1882- 1963م) من خلال دراساته للغة الألبانية ومقارنتها باللغة الإيليرية، وبناء على أسماء الأشخاص [4] ، توصل إلى أن اللغة الألبانية جزء من اللغة الإيليرية.

            والمصادر التي بقيت من اللغة «الإيليرية» هـي أسماء الأمـاكن والرجال، ولا توجد وثائق مكتوبة باللغة الإيليرية، وقد جمع العالم الكبير «جوهان جورج فون هـان Johan Georg Fon Han»[5] كل المصادر التي تمكن من الحصول عليها من أجل الوصول إلى رأي قاطع فيما يتعلق بعلاقة اللغة الإيليرية – الألبانية باللغة اليونانية، فوجد أن اللغة الإيليرية الألبانية تتمتع بخصائص ومميزات لا تتوافر عليها اللغة اليونانية، ومن هـنا وصل إلى قناعة بأن الألبانيين يعتبرون أحفادا لهذه [ ص: 67 ] القبائل القديمة في البلقان، ويقصد « هـان » القبائل الإيليرية [6] .

            وقد قام «هان بشرح» مجموعة من الأسماء الإيليرية بألفاظ اللغة الألبانية فمثلا: الاسم «دالماتيا Dalmatia» و «دلماتيا Delmatia» يقارنها بمعنى ألباني، فيقول: «دل Dele» وتعني بالألباني الغنم، و «دلمر Delmer» وتعني راعي الغنم، وتكون المقارنة مقنعة عندما نلاحظ اسم مدينة «دالميون Dalmion» الإيليرية، التي يسميها العالم الكبير «سترابون Strabon» (الخبير في الشئون الإيليرية – الألبانية) بـ «الحقل – الأرض الخضراء لرعاية الغنم»، مما يؤكد حقيقة أن كلمة «دالم Dalm» أو «دلم Delm» في اللغة الإيليـرية كانت اسما للغنـم، كما يقول الألبانيون اليوم «دلمه Delme» أي الغنم [7] .

            وللغة الألبانية علاقة مباشرة بمشكلة أصل الشعب الألباني، فإذا كان الشعب الألباني أصيلا في أراضيه التي يسكنها حاليا، والقبائل الإيليرية عاشت قديما في الأراضي نفسها، فإن هـذه الحقيقة تدلنا على أن الألبانيين هـم أحفاد لتلك القبائل الإيليرية، وكذلك تدلنا على أن اللغة الألبانية هـي امتداد لإحدى اللهجات القديمة الإيليرية [8] .

            وهناك أسماء لمدن وأماكن ألبانية، ليس بإمكاننا معرفة معانيها إلا من خلال اللغة الألبانية [9] .. يقول الدكتور « أكرم شابي » (عالم ألباني) : إن الأسماء القديمة للرجال، والمدن، والأماكن، والأنهار، والجبال لا يمكن [ ص: 68 ] شرحها إلا من خلال اللغة الألبانية؛ لأن تلك الأسماء تحتفظ بداخلها على معالم وسمات خاصة، تتعلق بتطور اللغة الألبانية [10] .

            وقد ذكرت اللغة الألبانية لأول مرة في عام 684هـ / 1285م في وثيقة توجد في أرشيف لمدينة « دوبروونيك DubrovniK» [11] أو « راغوزا Raguza» (اسم قديم لمدينة دوبروونيك) ، وفيها يقال: «إني سمعت صوتا ينادي في التل - الجبل - باللغة الألبانية»، أما النص باللغة اللاتينية فهو: «audiviunam vocem clamantem inMonte in lingua albanesca» [12] .

            ويتكلم ألبانيون اليوم بلهجتين رئيستين هـما: «غيغ Gege» في الشمال والشمال الشرقي، و «توسك TosK» في الجنوب [13] ، وليس هـناك فرق كبير بين اللهجتين إلا شيء يسير في التلفظ، ولا توجد هـناك صعوبة بين أهالي اللهجتين في التفاهم بينهم.

            ويعتبر تاريخ لغة ما مرآة لتاريخ الشعب الذي تكلم بها قـديما، ويتكـلم بها حديثا، وتمثل تلك اللغة دائما وأبدا تاريخ الشعب الذي يتكلم بها؛ وعرف علميا بأن تاريخ اللغة لا يمكن أن ينفصل عن تاريخ الشعب الذي يتكلم بها [14] .

            وحسب الوثائق التي وصلت إلينا، فيما يتعلق ببداية الكتابة باللغة [ ص: 69 ] الألبانية، فإنها بدأت تقريبا في عصر «اسكندر بيك SKender beu»، وأيضا في بداية التصادم مع الدولة العثمانية [15] .

            يقول العالم المعاصر « شعبان دميراي Shaban Demiraj» [16] : إن الرأي الأكثر انتشارا فيما يتعلق بمصدر اللغة الألبانية هـو تفرع هـذه اللغة من الإيليرية.. ويؤيد هـذا الرأي علماء كبار، من ضمنهم: « ثونمان Thunmann»، و « ليكو LeaKu»، و « هـان Hahn» و « ميكلوسيجي MiKlosici»، و « ميير Meyer» [17] ، و «بدرسن Pedersen»، و «جوكلي JoKli»، و «شابي Qabej»، و «كرشمر Krecmer» [18] .

            ويؤكد « كرشمر » في كتابه «Einleitung»: أن اللغة الألبانية تمثل [ ص: 70 ] المرحلة الجديدة للغة الإيليرية... وأن الألبانيين يسكنون في أراضيهم الأصلية التي كانت القبائل الإيليرية تسكن فيها قديما [19] .

            وتعتبر اللغة عند الألبانيين عاملا رئيسا في تحديد الهوية العرقية لدى القبائل الألبانية، ولهذا السبب يتلقى الألبانيون لغتهم كلغة قومية.. واللغة الألبانية لا تتغير عند أهلها إلا في اللهجة حسب المناطق، شمال – جنوب [20] .

            بدأت اللغة الألبانية منطوقة كغيرها من اللغات، ثم تطورت إلى أن وصلت مرحلة الكتابة في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، حيث بدأ استخدام اللغة الألبانية المكتوبة لأول مرة من قبل القسسين؛ وكان من قبل تستخدم الحروف اللاتينية، واليونانية [21] .

            وقد وجد استخدام آخر لدى الألبانيين لكتابة لغتهم، وهذه المرة بالحروف العربية، وذلك بعد مجيء الدولة العثمانية [22] إلى بلاد البلقان عامة وإلى الأراضي الألبانية خاصة، لتأثر الألبانيين المسلمين الجدد بلغة القرآن الكريم غاية التأثر حتى وصل كثيرون منهم إلى مستوى كتابة الأشعار الألبانية بالحروف العربية، وبمهارة وحذاقة بارعة، وقد اشتهر هـؤلاء إلى يومنا هـذا باسم «بيتجيني Bejtexhinje» وتعني الشاعريين.

            ويرى « آلكساندر ستيبشويتش AleKsander Stipqevic» الخبير في [ ص: 71 ] التاريخ الإيليري – الألباني، حتى أنه يعرف بـ «Ilirolog» أي المتخصص في كل ما يتصل بالإيليريين، في تاريخهم ولغتهم وعاداتهم، أن اللغويين اليوم قد اتفقوا على عدم إمكانية التأكد التام من أن اللغة الألبانية منحدرة من اللغة الإيليرية لقلة النصوص الإيليرية وندرتها التي يمكن اللجوء إليها في هـذا الشأن [23] . ويقصد العالم «ستيبشويتش» بكلامه أن اللغة الإيليرية لم تترك لنا كتابات ولا أوراقا ولا وثائق مكتوبة باللغة الإيليرية حتى نستطيع أن نثبت الصلة بين اللغتين بالتأكيد.

            ويضيف الأستاذ « ستيبشويتش »: ولكن حسب الدراسات، التي أجريت في المادة الموجودة لعلم أصول الكلمات وأشكالها المسمى بـ «Onomastics»، و «الطوبونيا Toponymy» (دراسات أسماء المواقع الجغرافية وأصولها) فإن اللغة الألبانية تعتبر منحدرة مباشرة من اللغة الإيليرية. وكل هـذه الدلائل والحجج تبعد الفكرة القائلة بأن اللغة الألبانية تطورت من إحدى اللغات البلقانية الأخرى وتلغيها[24] .

            ويترجح عندي الرأي القائل: إن اللغة الألبانية تنتمي إلى اللغات الهندوأوروبية وهي لغة مستقلة ومنحدرة من اللغة الإيليرية، وهذا يدل على أن الشعب الألباني ولغته أصليان في هـذه المنطقة. [ ص: 72 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية