الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الفصل الثاني

            دور الدعاة في انتشار الإسلام في «كوسوفا»

            قبل العثمانيين

            المبحث الأول

            الوضع السياسي والاجتماعي في «كوسوفا»

            أولا: الوضع السياسي :

            كانت القبائل الإيليرية قبل استقرارها في مناطق البلقان قبائل مترحلة، ولكن هـذه القبائل بعد استقرارها في الأراضي البلقانية امتهنت الفلاحة، وألقت عصا الترحال، ويعتبر الإيليريون أول شعب استوطن المناطق البلقانية، وبمرور الزمن ازدادت أعدادهم وتوسعت دائرة انتشارهم، فشمل انتشارهم شواطيء البحر الأدرياتيكي، وتمكنوا من السيطرة على تلك الشواطيء، بحيث أصبحت معظم الأراضي البلقانية تحت سيطرتهم [1] . [ ص: 73 ] وبعد تكاثر أعـداد القبائل الإيليرية، كان من الضروري لتلك القبائل أن تبذل جهودها لإيجاد نظام سياسي وإداري، يتوافق مع عاداتها وتقاليدها ويرتب شئون حياتـها ويحل مشكلاتـها، ويجمعها كلها تحت راية واحدة، فكان لها ما أرادت قبل الميلاد بثلاثة قرون، ومن ثم بدأت معيشـة القبائل الإيليرية تسير وفق هـذا النظـام القبلي.. وحسب هـذا النظام كانت المرأة في بداية الأمر هـي التي تحـكم، وبمرور الزمن تحول الحكم إلى الرجل [2] .

            وبناء على ما تقدم يمكن استنتاج أن القبائل «الإيليرية» كانت تعتمد في بداية الأمر في تنظيم شئونها المختلفة على قانون يصطلح عليه اليوم باسم «النظام القبلي»، وقد اهتموا بتحسين الأمور المعيشية، وتنظيم علاقاتهم، وتنفيذ متطلباتهم، وتسهيل شئونهم الاجتماعية، حتى تناصر القبائل بعضها بعضا، وفقا لما تمليه الأعراف التي بني عليها هـذا النظام.

            وبعد الاحتلال الروماني للأراضي الإيليرية التابعة للآرديانيين [3] والأراضي التابعة لمقدونيا ، وجه الرومان هـجماتهم المكثفة والشديدة إلى حليفتهم الصديقة القديمة، ألا وهي « داردانيا » [4] ؛ غير أن المقاومة العسكرية لمملكة «داردانيا» كانت حاجزا ومانعا بصورة جدية للجيوش الرومانية [ ص: 74 ] المستعمرة، وذلك خلال سنوات عديدة ومتتالية، وكان هـدف الجيوش الرومانية الوصول إلى نهر «الدانوب – Danub » [5] .

            وبعد حروب طويلة ضد الرومان، فقد الداردانيون استقلالهم.. وباستيلاء الرومان على الأراضي الداردانية دخلت « داردانيا » تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية، وذلك في القرن الأول قبل الميلاد [6] .

            ودخلت المناطق الإيليرية تحت حكم الإمبراطورية الرومانية الشرقية، أوالإمبراطورية البيزنطية، نسبة لعاصمتها بيزنطة (القسطنطينية) ، وذلك بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية في عام 395م إلى قسمين: - الإمبراطورية الرومانية الغربية والإمبراطورية الرومانية الشرقية [7] .

            وتعتبر المناطق الإيليرية آخر الحدود للإمبراطورية البيزنطية في الجهة الغربية، ولذلك اضطلعت بدور مهم في العلاقات بين الشرق والغرب في تلك الفترة [8] .

            إلا أن الظروف الإيليرية بدأت تتغير من سيء إلى أسوأ عندما بدأ نزوح السلاف نحو جزيرة البلقان واستقرارهم فيها، حدث ذلك في بداية القرن السابع الميلادي، وفيها أسست دولهم الأولى، فمثلا: «كارانتانيا Karantania» دولة السلوفنيين في القرن السابع، « كرواتيا Kroacia» في [ ص: 75 ] القرن التاسع، و « راشكا RashKa» دولة الصرب، في مدينة «راشكا» في القرن الثامن، و « البوسنة Bosna » في القرن العـاشر، و « دوكلا DuKla» في الجبل الأسود في القرن الحادي عشر.. أما دولة السلاف في البلقان الجنوبي، وهي التي أسست في أراضي مقدونيا القديمة، فقد أسست في القرن العاشر الميلادي وسميت بمقدونيا نسبـة للاسم القديم نفسه الذي كانت تحمله المنطقة. ونتيجة لهذه الظروف الصعبة التي عاشها الإيليريون في ظل حكم تلك الدول السلافية اضطروا للتخلي عن أعراقهم والانتساب إلى عرقيات سـلافية، مثل: السلوفنيين والكرواتيين والصربيين وأهل الجبل الأسود والمقدونيين [9] .

            وفي عام 237هـ/851م استعمر البلغاريون أراضي « داردانيا » بعد انتزاعها من البيزنطيين [10] .

            وعندما وصل « استفان نيمانيا » إلى السلطة في «راشكا» في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي وأسس الأسرة «النيمانية» بدأ سياسة نشطة لتثبيت حكمه وتقويته والتوسع على حساب الرومان والبلغار في منطقة البلقان، وسار على هـذه السياسة خلفاؤه من أفراد أسرته «نيمانيا» وتمكنوا من تحقيق نجاحات كثيرة، ففي عام 580هـ / 1185م دخلت تحت [ ص: 76 ] حكمهم ألبانيا الشمالية في الشمال الشرقي ومدينة « نيش » وبعض الأجزاء الكوسوفية؛ وفي الفترة ما بين عامي 613–617هـ / 1216–1220م احتلوا مدينة « بريزرن »، ثم دخلت الأراضي الكوسوفية كلها تحت حكم العائلة الصربية « نيمانيا » بعد ذلك التاريخ [11] .

            وبعد دخول « كوسوفا » تحت سيطرة أسرة «نيمانيا» الصربية، بدأ حكام هـذه الأسرة وخاصة الملك: «إيستفان أوروش الثاني» (681-721هـ / 1282-1321م) والملك «إيستفان أوروش الثالث» (722-732هـ/1322-1331م) والملك «إيستفان دوشان» (732-756هـ/1331-1355م) ، سياسة نشطة لفرض الثقافة الصربية على ألبان كوسوفا بشتى الوسائل [12] .

            لم يرحب معظم الألبانيين بالانسلاخ عن هـويتهم والاندماج في الثقافة الصربية ولكن الصرب أصروا على تنفيذ سياستهم وأصدروا قانونا عرف بقانون «إيستفان دوشان» (750هـ/1349م) ، ومن أهم بنود هـذا القانون تلك البنود التي نصت على تعذيب الألبانيين الذين لا يقبلون التحول إلى الأورثوذكسية الصربية، ومصادرة أموالهم (أو سلبها منهم ووضعها في [ ص: 77 ]

            ميزانية الدولة الصربية) ، أو وسمهم بحديد حام، أو ترحيلهم، أو تعذيبهم حتى الموت.. وتؤكد الوثائق الكثيرة لتلك الحقبة المعاملة القاسية للألبانيين من قبل الصرب بعد سن هـذا القانون وتطبيقه، والاحتجاجات التي قام بها الألبان لدفع الظلم الصربي عنهم [13] .

            وقد وقعت أحداث مختلفة في العقود الأخيرة من القرن الرابع عشر أدت إلى تغيرات كثيرة في السياسة الصربية، وخاصة بعد وفاة الملك « أوروش Orosh» بحيث تفرقت الدولة الصربية إلى دويلات صغيرة [14] .

            فأراضي « كوسوفا » الحالية أضحت تحت سيطرة الملك « ووك برانكوويتش VuK BranKovic» ووقعت مدنها التالية تحت حكمه: « بريشتينا Prishtina»، وهي عاصمة كوسوفا الحالية و « ووشترييا Vushtrria» و « تريبشا Trepca» و « بييا Peja» و « نوووبردا Novoberda» [15] .

            وبعد وفاة الملك « أوروش Urosh» الخامس ظهر على المسرح السياسي بمدينة « نوووبردا Novo Berda» مع ضواحيها الملك « كنيز لازار Knez Lazar»، وهو من أفراد ذلك البلد، وقد استغل وفاة أوروش [ ص: 78 ] والثروات الكثيرة التي كانت تتوافر عليها «نوووبردا» في فرض سيطرته والإعداد لاستعادة بقية أجزاء المملكة الصربية وتوسيعها، وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد [16] .

            بلغت المملكة الصربية قمة قوتها العسكرية بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر، حيث استطاعت أن تتوسع في الأراضي المجاورة لها من بلاد البلقان، تلك التي كانت تابعة لشعوب أخرى؛ وكانت أراضي « كوسوفا » جزءا من تلك الأراضي التي استعمرتها جيوش الملك الصربي « دوشان »، وظلت تحت حكم المملكة الصربية حتى انهزمت قوات المملكة الصربية أمام قوات الدولة العثمانية، وكان ذلك في عام 792هـ/1389م [17] .

            ومنذ انهيار المملكة الصربية، كثيرا ما يزعم الصربيون أن الأراضي التي تكونت منها مملكتهم، والأراضي التي استعمروها عنوة أراض صربية خالصة، ويطلقون أوصافا عجيبة على أراضي «كوسوفا» على وجه التحديد، حيث يعتبرونها أرضا مقدسة للصرب؛ أما أهل «كوسوفا» بصفة خاصة وبلاد البلقان بصفة عامة فإنهم يعتبرون الصرب غزاة ودخلاء على بلادهم، وأن استيلاءهم على بعض أجزاء بلاد البلقان لفترة معينة من الزمن لا يعطيهم حقا شرعيا في امتلاكها إلى الأبد حتى ينادوا بملكيتهم لها.. [ ص: 79 ] والجميع يعلم أن بلاد البلقان قد مرت بها وسيطرت عليها قوات أخرى متتالية غير صربية، مكثت فيها مدة طويلة تجاوزت أكثر بكثير من مدة المملكة الصربية، ولكن لا أحد منها قد تجرأ ليزعم ملكيته لها استنادا إلى سيطرته السابقة عليها، كما أن الانتشارات التي وقعت عبر التاريخ لتلك القوات في بلاد البلقان لا يمكن أن تثبت حقوقا ثابتة ودائمة إلى الأبد.

            وترجع ملكيات «الغير» إلى تلك القوات، لعدم وجود قوانين دولية تساند مثل هـذه المزاعم وتعترف بها؛ ولأن منطق العقل لا يؤيدها، فمثلا أقامت الإمبراطورية البلغارية العظمى في مناطق البلقان وتوسعت فيها وذلك قبل المملكة الصربية بقرون، فهل يعطي هـذا الاستيلاء البلغاريين الحق في أن يطالبوا اليوم باسترجاع تلك المناطق أو أجزاء منها إلى سيادتهم؟ وكذلك نجد المقدونيين في تاريخهم القديم قد تمكنوا من السيطرة في عصر من العصور على كثير من الأراضي البلقانية، وهنا نطرح سؤالا: هـل يستحق أحفاد المقدونيين في يومنا هـذا أن يطالبوا باستعادة ممتلكات أجدادهم، التي كانت تضم الشرق الأوسط وبلاد فارس أيضا [18] .

            وبناء على ما سبق، فإن استيلاء المملكة الصربية على بعض المناطق من بلاد البلقان وخـاصة أراضي « كوسـوفا » الحـالية لمدة وجيزة من الزمن لا يعطي الصرب حق الادعاء بامتلاكها؛ لأن مثل هـذا الادعاء يفتح المجال أمام ادعاءات مماثلة لقوميات أخرى بسطت سيطرتها على هـذه المنطقة [ ص: 80 ] ولفترة تفوق فترة الصرب بكثير وأعني بذلك العثمانيين، الذين كانت القوى العالمية تعترف بالسيادة الشرعية لهم على بلاد البلقان حتى مطلع القرن العشرين، وفي الواقع لا أحد يأخذ المزاعم الصربية مأخذ الجد في العالم كله إلا الصرب أنفسهم. [19] .

            ثانيا: الوضع الاجتماعي

            كان المجتمع الإيليري كغيره من المجتمعات في القرون الوسطى مجتمعا قبليا، وكانت القبيلة لدى الإيليريين تتكون من عدة عائلات، وكانت العائلات الكبيرة تضم بداخلها عددا من العائلات الصغيرة. ويعيش معظم الإيليريين في القرى والمناطق الجبلية العليا التي تتوفر لها الحماية بمجموعة من الحصون، ويتميز المجتمع الإيليري بأنه مجتمع منفتح؛ لأنه يسمح للفرد أن يختار زوجته من خارج القبيلة التي ينتمي إليها [20] .

            وكان للإيليريين جيش منظم تشارك فيه قبائلهم كلها، ولكل قبيلة قائدها الخاص الذي يتولى قيادة رجالها، وهناك قائد عام يتم اختياره بطريقة معينة يتولى الرئاسة لجميع القبائل الإيليرية، وكان القادة والرؤساء المحاربون يهتمون بتوفير السلاح الجيد وخاصة السيوف لأنفسـهم ولجندهم، والدواب التي تأتي في مقدمتها الخيل، هـذا إضافة إلى الأغطية الواقية للرأس؛ [ ص: 81 ] أما الملابس فلم تكن لهم ملابس خاصة بالحرب وإنما كانوا يرتدون في معظمهم ملابس مصنوعة من الصوف [21] .

            أما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فقد بدأت البيئة الإيليرية تتحسن بمرور الزمن حيث تمكن سكانها الإيليريون من الوصول إلى أسرار التعدين والاستفادة منها في استغلال المعادن التي كانت تتوافر في بلادهم خاصة الحديد الذي سجل لهم التاريخ الريادة في استخدامه وتطويعه في أوروبا، فهم أول من استخـدم الحديد في قارة أوربا، وفيما بعد استعملوا الفضة، فقد انعكست خبرات وقدرات الإيليريين في مجال التعدين إيجابا على حياتهم، حيث تمكنوا من استحداث أدوات للعمل مثل المحراث والفأس.. إلخ، وتمكنوا من خلالها زيادة الرقعة الفلاحية وبالتالي زيادة الإنتاج، واستغلال الفائض منه في جلب احتياجاتهم من الأسواق المجاورة عن طريق تشجيع حركة التجارة [22] .

            أما عن الجانب الديني، فقد بدأت المسيحية تنتشر في المناطق الإيليرية منذ بداية القرون الأولى للميلاد، وفقا للمذهب الكاثوليكي، ثم أصبحت دينا رسميا في بداية القرن الرابع للميلاد، وذلك في عصر الإمبراطور قسطنطين [23] . [ ص: 82 ] وضعفت الإمبراطورية البيزنطية، التي كانت باسطة سيطرتها على بلاد البلقان، وبدأت محاولات بعض القادة البلقانيين الاستقلال عن بيزنطة ، ولكن لسوء حظهم فقد استغل عنصر جديد ظهر لأول مرة على المسرح السياسي في بلاد البلقان، هـذه الظروف التي كانت تمر بها بيزنطة وتمكن من إيجاد كيانات سياسية خاصة بها على حسابها وهي: المملكة الصربية، المملكة البلغارية وإمارة آربر [24] ، وهذا العنصر هـو العنصر السلافي وذلك في نهاية القرن الثاني عشر للميـلاد، ثم سارعت الدولة الصربية المؤسسة في شمال مدينة « نووي بازار - Novi Pazar » [25] إلى احتلال أجـزاء كبيرة من ألبانيا وكوسوفا [26] .

            وأثناء هـذا الحكم أعطى الملك الصربي « استفان دوشان Stefan Dushan » امتيازات كثيرة للكنيسة الصربية، وقد أسس الملك الصربي كنيسة صربية مستقلة جعل مقرها في مدينة « بييا Peja» (مدينة تابعة لكوسوفا الحالية) ونقل إليها مركز الكنيسة الذي كان في « شيج ».. وقد ظلم المحتلون الصربيون السكان الكوسوفيين، وكان ذلك الظلم ظاهرا في «كوسوفا»، وتمثل في تعصب الصرب للمذهب الديني الأورثوذكسي [ ص: 83 ] واضطهادهم الوحشي للذين رفضوا اعتناق المذهب الأرثوذكسي الصربي والثقافة الصربية بصفة عامة، سياسيا واجتماعيا ودينيا [27] .

            بدأ الاضطهاد الديني والعرقي الصربي للألبانيين في « كوسوفا » منذ بدايات حكم الأسرة «النيمانية» الصربية التي كانت تسيطر على معظم أراضي «كوسوفا»، ومن ملوك هـذه الأسرة الذين اشتهروا باضطهاد الألبان الكاثوليك الملك « ايستفان دوشان – Stefan Dushan» (732 – 756هـ / 1331 – 1355م) ، ويؤكد هـذه الحقيقة ما ورد في إحدى مدونات هـذا الملك، [28] وهذا نصه: «... إذا كان هـناك أحد لا يقبل أن يتحول ويرجع إلى الإيمان الصحيح - هـكذا يسمي الصربيون الديانة الأورثوذوكسية – سيعاقب بالإعدام...» [29] .

            ويلاحظ أن النص السابق قد أظهر الخلاف بعبارات توحي أنه راجع إلى الاختلاف الديني، ولكن الحقيقة غير ذلك؛ لأن النـزاع الديني قد تطور إلى نزاع عرقي [30] ، والنـزاع الأخير أكبر خطورة من الأول، وكان أعظم أهداف المملكة الصربية هـو إزالة آثار الشعب الألباني من خريطة البلقان والعالم كله. [ ص: 84 ] ولكن الشعب الألباني لم يستسلم ولم تقعده شراسة الغزاة الصرب وضخامة إمكانياتهم المادية والبشرية وقوة آلتهم العسكرية، وإنما عمل على استغلال كل فرصة تتاح له في تنظيم صفوفه والتعبير عن رفضه لكل المحاولات الرامية لمسخ هـويته وتحويله عن عقيدته الكاثوليكية، وكانت المظاهرات التي أعد لها مجموعة من الشخصيات الكوسوفية القوية من أبرز الوسائل الاحتجاجية التي لجأ إليها، ولحسن حظ سكان البلقان الأصليين فإن الوجود الصربي في بلاد البلقان قد بدأ يفقد بريقه وقوته بعد وفاة الملك « دوشان » في عام 756هـ/1355م، كما أن قوة جديدة قد ظهرت على المسرح السياسي البلقاني منافسة للصرب وهي القوة العثمانية، التي سرعان ما استغلت ضعف وتفكك الوجود الصربي في البلقان ولتحل محله.

            ومن خلال تثبيت الأوضاع الاجتماعية لكوسوفا في ظل الوجود الصربي لاحظنا الآتي:

            1- الاستعمار الصربي استعمار استيطاني:

            تعرضت بلاد البلقـان قبل نزوح واستيطان العنصر السلافي الصربي إليها إلى غزو الرومان ثم البيزيطيين واستعمارهم لها. وقد اهتم الاستعماران، الروماني والبيزنطي، بالجوانب الاقتصـادية من أجل توظيفها في تطوير بلادهم الأصلية. أما البلاد التي استعمروها فلم تجد أي اهتمام منهم، خاصة وأن أعدادا قليلة منهم هـي التي كانت تقيم في البلاد المستعمرة من أجل إدارة دفة الحكم ومراقبة تنفيذ السياسات الاقتصادية. أما المستعمرون [ ص: 85 ] السلاف الصرب فقـد جاءوا في شكل جماعات كثيرة، وانزاحوا في الأراضي البلقانية لكي يستقروا فيها دائما وأبدا على حساب السكان الإيليريين الأصليين [31] .

            2- تركيز الصرب على سياسة «أصربة» البلقان:

            كان استيطان الصرب في بلاد البلقان وبأعداد كبيرة عملا مدروسا ومقصودا، فقد أراد الصرب أن يستأثروا بأراضي الألبان وخيراتها الوفيرة لأنفسهم، ولتحقيق هـذا الهدف رسموا سياسة دقيقة ومحكمة تقوم على تحويل الألبان من المذهب الكاثوليكي إلى المذهب الأرثوذكسي، وإحلال الثقافة الصربية محل الثقافة الألبانية بالوسائل السلمية أو القمعية إذا لزم الأمر، وقد بدأوا تنفيذ هـذه السياسة لدرجة أن أسماء الأماكن والمناطق البلقانية القديمة تم تحويلها إلى أسماء صربية [32] . [ ص: 86 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية