الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الخامسة : الدعوى أنواع ، منها دعوى الدم ، ويشترط تفصيلها كما سبق في القسامة ، وأما دعوى النكاح والبيع ، وسائر العقود ، فقال الشافعي رحمه الله : لو ادعى أنه نكح امرأة ، لم يقبل منه حتى [ ص: 14 ] يقول : نكحتها بولي وشاهدي عدل ، فمن الأصحاب من اكتفى في دعوى النكاح بالإطلاق ، ولم يشترط التعرض لهذا التفصيل ، كما يكتفى في دعوى استحقاق المال بالإطلاق ، وحملوا النص على الاستحباب والتأكيد ، وقال أبو علي الطبري : إن ادعى ابتداء النكاح وجب التفصيل ، وإن ادعى دوامه فلا ؛ لأن الشروط لا تعتبر في الدوام ، وأخذ عامة الأصحاب بظاهر النص ، وأوجبوا التفصيل والتعرض للشروط ابتداء ودواما ؛ لأن الفروج يحتاط لها كالدماء ، والوطء المستوفى لا يتدارك كالدم . وأما الجواب عن المال ، فإن كان المدعى نفس المال فإنما اكتفي بالإطلاق ؛ لأن أسبابه لا تنحصر ، فيشق ضبطها ، وإن كان عقدا على مال كبيع وإجارة وهبة ، فثلاثة أوجه أحدها قاله ابن سريج : يشترط التفصيل ، وذكر الشروط كالنكاح ، والثاني : إن تعلق العقد بجارية اشترط احتياطا البضع ، وإلا فلا ، والثالث وهو أصحها ، ونقله ابن كج عن النص : لا يشترط مطلقا ؛ لأن المقصود المال وهو أخف شأنا ، ولهذا لا يشترط فيها الإشهاد بخلاف النكاح . وأما التعرض في دعوى النكاح لعدم مانع النكاح ، كالردة والعدة والرضاع ، فلا يشترط على الصحيح ؛ لأن الأصل عدمها ، ولكثرتها ، فإن شرطنا التفصيل في النكاح ، فيقول : نكحتها بولي وشاهدين . ويشترط وصف الولي والشاهدين بالعدالة على الصحيح ، وقياسه وجوب التعرض لسائر الصفات المعتبرة في الأولياء ، ولا يشترط تعيين الشاهدين والولي ، والغرض أن يعرف أن النكاح لم يخل عن ولي وشاهدين ، ويشترط التعرض لرضا المرأة إن كان رضاها شرطا ، فإن كانت أمة ، اشترط التعرض للعجز عن الطول ، ولخوف العنت على الأصح ، وإن شرطنا التفصيل في دعوى البيع ، قالوا : يقول : تعاقدنا بثمن معلوم ونحن جائزا التصرف ، وتفرقنا عن تراض ، ويشترط في الشهادة على النكاح [ ص: 15 ] التفصيل إن قلنا باشتراطه في دعوى النكاح ، وفي فتاوى القفال أنه يشترط أن يقولوا بعد تفصيل النكاح : ولا نعلم أنه فارقها ، أو وهي اليوم زوجته ، والإقرار بالنكاح يكفي فيه الإطلاق على المذهب ؛ لأنها لا تقر إلا عن تحقق ، وقيل : في اشتراط التفصيل فيه الخلاف في الدعوى والشهادة ، وهو ضعيف . ولو شهدوا على إقرارها ، لم يشترط أن يقولوا : ولا نعلم أنه فارقها ، ولتكن الشهادة على البيع والإقرار إذا أوجبنا التفصيل في البيع على قياس ما ذكرنا في النكاح ، ونقلوا في اشتراط تقييد النكاح والبيع المدعيين بالصحة وجهين ، وبالاشتراط أجاب الغزالي في " الوجيز " وقال في " الوسيط " : الوجه القطع باشتراطه في النكاح ، وأشار إلى أن الوجهين مفرعان على أنه لا يشترط تفصيل الشرائط ، وإيراد الهروي يقتضي اطرادهما مع اشتراط التفصيل ليتضمن ذكر الصحة نفي المانع .

                                                                                                                                                                        واعلم أن دعوى النكاح تارة تكون على المرأة ، وتارة على وليها المجبر ، كما سبق في مسألة تزويج الوليين المرأة بشخص ، وسبق هناك أن الأئمة قالوا : لو ادعى كل واحد من الزوجين سبق نكاحه ، وعلم المرأة به ، بني على أن إقرارها به هل يقبل ؟ إن قلنا : لا ، فلا تسمع دعواهما عليها ، وإن قلنا : نعم وهو الأظهر سمعت ، وهذا يقتضي كون سماع دعوى النكاح عليها أبدا فيه هذا الخلاف ، فكأنهم لم يذكروه هنا اقتصارا على الأظهر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية