الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الثانية : لا تنفسخ الكتابة بجنون السيد ، ولا العبد ، ولا بإغمائهما ، فإن جن السيد ، فعلى المكاتب تسليم النجوم إلى وليه ، فإن سلم إليه ، لم يعتق ؛ لأن قبضه فاسد .

                                                                                                                                                                        ولو تلف في يده ، فلا ضمان ؛ لتقصيره بالتسليم إليه ، ثم إن لم يكن في يد المكاتب شيء آخر يؤديه ، فللولي تعجيزه . ولو حجر عليه بالسفه ، فهو كالجنون .

                                                                                                                                                                        فلو أدى المكاتب إليه في حال الحجر ، وعجزه الولي ، ثم رفع الحجر عنه ، استمر التعجيز .

                                                                                                                                                                        وقيل : فيه قولان ، كما سبق في المرتد إذا [ ص: 237 ] أخذ النجوم ، وعجز الحاكم المكاتب ، ثم أسلم المرتد ، والمذهب الأول ؛ لأن حجر السفه أقوى ، ولهذا لا ينفذ تصرفه قطعا ، بخلاف المرتد في قول ، ولأن حجر السفه لحفظ ماله . فلو حسب عليه ما أخذه ، وأتلفه في حال الحجر لم يحصل حفظ المال ، وحجر المرتد لحق المسلمين ، فإذا أسلم ، لم يبق لهم في ماله حق .

                                                                                                                                                                        وأما إذا جن المكاتب ، فأدى في جنونه ، أو أخذه السيد من غير أداء منه فيعتق ؛ لأن قبض النجوم مستحق .

                                                                                                                                                                        ولو أخذها المولى من غير إقباض من المكاتب وقع موقعه . هذا المعروف في المذهب .

                                                                                                                                                                        وقال الإمام : إن عسر وصول السيد إلى حقه إلا من جهة قبض ما يصادف ، فله ذلك ، وإن أمكن مراجعة الولي فلا وجه لاستبداده بالقبض .

                                                                                                                                                                        فلو استبد لم يصح ، وإذا لم يصح فلو أقبض المجنون ، لم يكن لإقباضه حكم .

                                                                                                                                                                        وحكى قولا أو وجها أن الكتابة تنفسخ بجنون المكاتب ، والمذهب الأول . هذا في الكتابة الصحيحة ، أما الفاسدة ، فهل تبطل بجنونهما وإغمائهما ؟ فيه أوجه .

                                                                                                                                                                        أحدهما نعم كالشركة ، والثاني : لا كالبيع بشرط الخيار ، وأصحها عند الجمهور ، وهو ظاهر النص : تبطل بجنون السيد وإغمائه ، وبالحجر عليه ، لا بجنون العبد وإغمائه ؛ لأن الحظ في الكتابة للعبد لا للسيد .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : لا تبطل فأفاق ، وأدى المسمى عتق ، وثبت التراجع . قالوا : وكذا لو أخذ السيد في جنونه ، وقالوا : ينصب السيد من يرجع له ، وينبغي أن لا يعتق بأخذ السيد هنا .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : يعتق في الكتابة الصحيحة ؛ لأن المغلب هنا التعليق ، والصفة المعلق عليها ، بالأداء من العبد فلم يوجد .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : يبطل ، فأدى المسمى لم يعتق على الأصح ؛ لأن العتق بالتعليق في الفاسدة يتبعها ، [ ص: 238 ] فإذا بطلت بطل التعليق ، كما لو فسخها السيد .

                                                                                                                                                                        والثاني : يعتق ، فعلى هذا قال الإمام : الوجه القطع بأن لا تراجع ؛ لأن التراجع مقتضى الكتابة [ الفاسدة ] وقد زالت ، وبقي التعليق المحض .

                                                                                                                                                                        وقيل يثبت ، قال : ومساقه أن يتبعه الكسب ، وهذا ضعيف .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية