الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        من ادعى وراثة شخص ، وطلب تركته ، أو شيئا منها ، فليبين جهة الوراثة من بنوة أو أخوة وغيرهما . وذكر السرخسي أن المذهب أنه لا يكفي لطلب التركة ذكر الجهة ، بل يذكر معها الوراثة ، فيقول : أنا أخوه ووارثه ، وإذا شهد عدلان من أهل الخبرة بباطن حال الميت أن هذا ابنه ، لا نعرف له وارثا سواه ، دفعت إليه التركة . وإن شهدا لصاحب فرض دفع إليه فرضه ، ولا يطالبان بضمين . وذكر الفوراني أنه يشترط [ ص: 83 ] هنا ثلاثة شهود ، كما ذكره في شهادة الإفلاس . والصحيح المعروف الأول . وإذا لم يكن الشهود من أهل الخبرة ، أو كانوا من أهلها ، ولم يقولوا : لا نعلم له وارثا سواه ، فالمشهود له إما أن لا يكون له سهم مقدر ، وإما أن يكون ، القسم الأول أن لا يكون ، فلا يعطى شيئا في الحال ، بل يبحث القاضي عن حال الميت في البلاد التي سكنها أو طرقها ، فيكتب إليها الاستكشاف ، أو يأمر من ينادي فيها : إن فلانا مات ، فإن كان له وارث ، فليأت القاضي ، أو ليبعث إليه . فإذا بحث مدة يغلب على الظن في مثلها أنه لو كان له وارث هناك ، لظهر ولم يظهر ، دفع المال إلى المشهود له . وحكى السرخسي قولا أنه لا يدفع إليه ، وقيل : إن كان ممن لا يحجب كالابن دفع إليه ، وإن كان يحجب كالأخ ، فلا ، والمذهب الأول . وإن دفع إليه ، فهل يؤخذ منه ضمين ؟ قولان ، أحدهما : يجب ، وأظهرهما : لا يجب ، لكن يستحب ، وقيل : لا يجب قطعا ، وقيل : إن كان يحجب ، وجب ، وإلا فلا وقيل : إن كان ثقة موسرا ، لم يجب ، وإلا فيجب .

                                                                                                                                                                        القسم الثاني : أن يكون له سهم مقدر ، فإن كان ممن لا يحجب دفع إليه أقل فرضه عائلا من غير بحث ، فالزوجة تعطى ربع الثمن عائلا ، لاحتمال أبوين وبنتين وأربع زوجات ، والزوج يعطى الربع عائلا ، لاحتمال أبوين وبنتين معه ، والأب السدس عائلا على تقدير أبوين وبنتين وزوج أو زوجة ، وللأم السدس عائلا على تقدير أختين لأب ، وأختين لأم ، وزوج أو زوجة معها . ولو حضر مع الزوجة ابن ، أعطيت ربع الثمن غير عائل ؛ لأن المسألة لا تعول إذا كان فيها ابن . ثم إذا بحث ولم يظهر غير المشهود له ، أعطي تمام حقه ، وفيه وجه أنه لا يعطى تمام حقه إلا أن تقوم بينة بخلاف الأخ ، فإنه لو لم يعط شيئا ، لصار محروما بالكلية ، والصحيح الأول ولا يؤخذ ضمين [ ص: 84 ] للمتيقن ، وفي أخذه الزيادة الخلاف . وإن كان ممن يحجب ، لم يعط شيئا قبل البحث ، وبعد البحث يعطى على الصحيح ، وفيه الوجه السابق فيمن له سهم مقدر وهو ممن يحجب . ولو قطع الشهود بأنه لا وارث له سواه ، فقد أخطئوا بالقطع في غير موضعه ، ولا تبطل به شهادتهم . ولو قالوا : هذا ابنه ، ولم يذكروا كونه وارثه ، فقد أطلق البغوي أنه لا يحكم بشهادتهم ؛ لأنه قد يكون ابنا غير وارث ، وجعل العراقيون هذه الصورة ، كما لو لم يكن الشهود من أهل الخبرة الباطنة ، أو كانوا ولم يقولوا : لا وارث سواه ، وقالوا : ينزع المال من يد من هو في يده بهذه الشهادة ، ويدفع المال إليه بعد البحث المذكور ، ونقلوا عن ابن سريج فيما إذا شهدوا بأنه أخوه ولم يذكروا الوراثة ، أنه لا يعطى شيئا بعد البحث ؛ لأن الابن لا يحجبه غيره فقرابته مورثة والأخ يحجبه غيره فقرابته غير مورثة بمجردها . وذكر الإمام في الابن ما ذكره العراقيون ، وحكى في الأخ وجهين ، فحصل فيهما وجهان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو قالوا : لا نعرف له في البلد وارثا سواه ، لم يعط شيئا ، ولا يصح الضمان المذكور حتى يدفع إليه المال .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية