الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        القسم الثاني : إذا أتت بولدين وعرفا حالهما ، واتفقا على أن هذا من هذا ، وذاك من ذاك ، وله صورتان . إحداهما : اتفقا على [ ص: 298 ] السابق منهما ، فينظر إن كانا موسرين ، أو كان الأول موسرا صارت مستولدة للأول ، وعليه للثاني نصف مهرها ، ونصف قيمتها ، وأما قيمة الولد ، فقال البغوي : إن قلنا : تحصل السراية بنفس العلوق لم يجب .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا تتوقف على العجز وقلنا : لا يحصل إلا بأداء القيمة وجبت .

                                                                                                                                                                        وأما الثاني : فإن وطئها بعد ما صار جميعها مستولدا للأول ، وهو عالم بالحال ، لزم الحد ، وولده رقيق للأول .

                                                                                                                                                                        وإن كان جاهلا ، فالولد حر وعليه تمام المهر ، وتمام قيمة الولد يوم الوضع ، ويكون جميعهما للأول إن ارتفعت الكتابة في نصيبه أيضا .

                                                                                                                                                                        وإن بقيت ، فنصف المهر له ، ونصفه للمكاتبة ، ونصف قيمة الولد على الخلاف في ولد المكاتبة .

                                                                                                                                                                        وإن وطئها قبل أن يصير جميعها مستولدا للأول ، لم يلزمه إلا نصف المهر ؛ لأن نصفها يعدله ، وفي تبعيض حرية الولد ما سبق ، فإن لم تتبعض فعليه نصف قيمة الولد ولا يثبت الاستيلاد في نصيب الثاني له ، وإن بقي نصيبه له ؛ لأن الأول استحق السراية ، ولا يجوز إبطال حقه .

                                                                                                                                                                        وعن القفال في ثبوت الاستيلاد الثاني في نصيبه وجهان ، كما لو أعتق شريك نصيبه وهو موسر ، وقلنا : السراية تقف على القيمة ، فأعتق الآخر نصيبه قبل أدائها .

                                                                                                                                                                        وأما إذا كانا معسرين ، أو كان الأول معسرا ، فثبت الاستيلاد في نصيب الأول ولم يسر ، فإذا أحبلها الثاني ثبت في نصيبه أيضا . وعلى كل واحد تمام المهر للمكاتبة ، فإن عجزت قبل الأجل ، فعلى كل واحد نصف المهر لشريكه ، ومن مات منهما عتق نصيبه .

                                                                                                                                                                        وذكر البغوي أن في تبعيض الحرية في ولد كل واحد منهما الخلاف ، وأنا إذا لم نحكم بالحرية في نصفه فهل هو قن للآخر ، أم يتكاتب ؟ فيه الخلاف .

                                                                                                                                                                        وأنه لا يلزم كل واحد منهما شيء [ ص: 299 ] من قيمة الولد . وفي أمالي السرخسي : أنا إذا قلنا بالتبعيض ، فالحكم كذلك ، وإن قلنا بحرية الجميع ، لزم كل واحد للآخر نصف قيمة ولده ، ولم يجز العراقيون وغيرهم الخلاف في تبعيض الحرية في ولد كل واحد إذا كان الأول معسرا والثاني موسرا ، وحكموا بأن ولد الموسر حر كله ، والخلاف مخصوص بالمعسر .

                                                                                                                                                                        الصورة الثانية : اختلفا في السابق ، فقال كل واحد : أنا أولدتها أولا ولدي هذا ، واحتمل ، صدق كل واحد منهما فهما موسران أو معسران ، أو أحدهما موسر والآخر معسر ، والاعتبار باليسار والإعسار حالة الإحبال .

                                                                                                                                                                        الضرب الأول : موسران ، فكل واحد يدعي على الآخر جميع المهر وجميع قيمة ولده ؛ لأنه يقول : وطئتها وهي مستولدتي ، أو يدعي نصفها على ما ذكرناه في الصورة الأولى ، وكل واحد يقر للآخر بنصف المهر ، ونصف قيمة الجارية ؛ لأنه يقول : أنا أولدتها وهي مشتركة فصارت مستولدة لي ، ويقر أيضا بنصف قيمة الولد على اختلاف فيه ، وما يقر به كل واحد من نصف قيمة الجارية يكذبه فيه الآخر ، فيسقط إقراره به ، وتبقى دعوى كل واحد في المهر وقيمة الولد ، فإن اقتضى الحال التسوية بينهما ، لم يعظم أثر الاختلاف ، وجاء الكلام في التقاص ، وإن تفاوتا حلف كل واحد على نفي ما يدعيه الآخر .

                                                                                                                                                                        وقيل : يتحالفان على النفي والإثبات ، وهو بعيد ، فإذا حلف فلا شيء لأحدهما على الآخر ، وهي مستولدة أحدهما على الإبهام ، ونفقتها عليهما ، فإذا ماتا فهي حرة ، والولاء موقوف بينهما ، وإن مات أحدهما ، فالأصح [ ص: 300 ] أنه لا يعتق شيء منها ؛ لاحتمال أنها مستولدة الآخر ، وقال ابن أبي هريرة ، وأبو علي الطبري : يعتق نصفها ، واختاره القاضيان أبو الطيب ، والروياني ، وحكى ذلك عن نصه في " الأم " لأنه يملك نصفها وقد أولدها وشككنا هل سرى إحبال شريكه إلى نصيبه ، والأصل عدمه .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : أن يكونا معسرين ، فلا ثمرة للاختلاف ، والحكم كما لو عرف السابق وهما معسران .

                                                                                                                                                                        وإذا مات أحدهما عتق نصيبه ، وولاؤه لعصبته . وإن ماتا فالولاء لعصبتهما بالسوية . ونقل الربيع في " الأم " أن الولاء موقوف وإن كانا معسرين .

                                                                                                                                                                        واتفق الجمهور أن هذا غلط من الربيع أو من غيره .

                                                                                                                                                                        وقيل : أراد حالة الموت فلا فرق حينئذ بين كونهما موسرين أو معسرين لما سبق أن الاعتبار في اليسار والإعسار بحالة الإحبال .

                                                                                                                                                                        الضرب الثالث : أن يكون أحدهما موسرا ، والآخر معسرا ، فيحلف كل واحد على نفي ما يدعي عليه ويثبت الاستيلاد للموسر في نصيبه ، فلا منازعة ، وهما متنازعان في نصيب المعسر ، فنصف نفقتها على الموسر ، ونصفها بينهما ، ثم إن مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لورثته ، وإذا مات المعسر بعده عتق نصيبه ، وولاؤه موقوف بينهما .

                                                                                                                                                                        وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شيء ، فإذا مات الموسر بعده ، عتقت كلها وولاء نصفها لورثته وولاء النصف الآخر موقوف ، قال الصيدلاني : هذا إذا قلنا لا تتوقف سراية الاستيلاد على أداء القيمة ، فإن قلنا : يتوقف هنا الأداء ، فتكون الجارية هنا مستولدتهما ، والولاء بينهما بلا وقف ، أما لو كان الاختلاف عكسه ، فقال كل واحد للآخر : أنت وطئت أولا ، فسرى إلى نصيبي وهما موسران ، فقال البغوي : يتحالفان ثم نفقتها عليهما ، وإذا مات أحدهما لمن يعتق نصيبه ؛ لاحتمال أن الآخر سبقه بالاستيلاد ، ويعتق نصيب الحي ؛ لأنه أقر بأن الميت أولد أولا ، ثم سرى إلى نصيبه ، وعتق بموته ، وولاء ذلك النصف [ ص: 301 ] موقوف ، فإذا مات الآخر عتقت كلها وولاء الكل موقوف . وإن كان أحدهما موسرا ، والآخر معسرا ، فقال المعسر : سرى إيلادك إلى نصيبي ، وقال الموسر : أنت أولدت أولا ، ولم يسر إلى نصيبي تحالفا ، ثم النفقة عليهما ، فإن مات الموسر أولا عتقت كلها .

                                                                                                                                                                        أما نصيب الموسر فبموته ، وولاؤه لعصبته ، وأما نصيب المعسر فبإقراره ، وولاؤه موقوف . وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شيء لاحتمال أن الموسر سبقه بالإحبال ، فإذا مات المعسر بعده ، عتقت كلها .

                                                                                                                                                                        وولاء نصيب الموسر لعصبته ، ونصيب الموسر موقوف وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية