الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4947 174 - حدثنا مسدد ، عن هشيم ، عن سيار ، عن الشعبي ، عن جابر قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ، فلما قفلنا تعجلت على بعير قطوف ، فلحقني راكب من خلفي ، فالتفت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ما يعجلك ؟ قلت : إني حديث عهد بعرس . قال : فبكرا تزوجت أم ثيبا ؟ قلت : بل ثيبا . قال : فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك ! قال : فلما قدمنا ذهبنا لندخل ، فقال : أمهلوا حتى تدخلوا ليلا - أي عشاء - لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة .

                                                                                                                                                                                  قال : وحدثني الثقة أنه قال في هذا الحديث : الكيس الكيس يا جابر - يعني الولد .


                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة لا يتأتى أخذها إلا من قوله صلى الله عليه وسلم " الكيس الكيس يا جابر - يعني الولد " ، والمراد منه الحث على ابتغاء الولد ، يقال أكيس الرجل إذا ولد له أولاد أكياس .

                                                                                                                                                                                  وهشيم - مصغر هشم - ابن بشير الواسطي ، أصله من بلخ ، نزل واسط للتجارة . وسيار - بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبعد الألف راء - هو ابن أبي سيار ، واسمه وردان أبو الحكم العنزي الواسطي ، يروي عن عامر بن شراحيل الشعبي .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا عن أبي النعمان ويعقوب بن إبراهيم ، وعن محمد بن الوليد عن غندر عن شعبة .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى ، وفي الجهاد عنه وعن إسماعيل وعن أبي موسى .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود في الجهاد عن أحمد بن حنبل عن هشيم به ، وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن الحسن بن إسماعيل وغيره .

                                                                                                                                                                                  قوله ( عن سيار عن الشعبي ) ، وفي رواية أبي عوانة من طريق شريح بن النعمان " حدثنا سيار حدثنا الشعبي " ، وفي رواية أحمد من وجه آخر " سمعت الشعبي " .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قفلنا ) بالقاف وبفتح الفاء المخففة ; أي رجعنا .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قطوف ) بفتح القاف ; أي بطيء المشي .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ما يعجلك ؟ ) بضم الياء ; أي أي شيء يعجلك .

                                                                                                                                                                                  قوله ( حديث عهد بعرس ) ; أي جديد التزوج ، وطابق السؤال الجواب بلازمه وهو الحداثة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فبكرا تزوجت ) منصوب بقوله " تزوجت " ، والضمير المنصوب فيه محذوف ; أي تزوجته .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بل ثيبا ) منصوب بفعل مقدر ; أي تزوجت ثيبا .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أي عشاء ) إنما فسر به لئلا يعارض ما تقدم أنه لا يطرق أهله ليلا مع أن المنافاة [ ص: 222 ] منتفية من حيث إن ذلك فيمن جاء بغتة ، وأما هنا فقد بلغ خبر مجيئهم وعلم الناس وصولهم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( الشعثة ) بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة وبالثاء المثلثة ، وهي المغبرة الرأس المنتشرة الشعر .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وتستحد المغيبة ) ، وقد فسرناها عن قريب وهي التي غاب عنها زوجها .

                                                                                                                                                                                  والاستحداد استعمال الحديد في شعر العانة وهي إزالته بالموسى ، هذا في حق الرجال ، وأما النساء فلا يستعملن إلا النورة أو غيرها مما يزيل الشعر .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قال : وحدثني الثقة ) ، القائل هو هشيم - أشار إليه الإسماعيلي ، وقال الكرماني : الظاهر أنه البخاري أو مسدد . قلت : هو جرى على ظاهر اللفظ ، والمعتمد ما قاله الإسماعيلي : لا يقال هذا رواية عن مجهول ; لأنه إذا ثبت عند الراوي عنه أنه ثقة فلا بأس بعدم العلم باسمه . وقال الكرماني : إنما لم يصرح بالاسم لأنه لعله نسيه أو لم يحققه ، وفيه تأمل .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قال في هذا الحديث ) ، وفي رواية النسائي عن أحمد بن عبد الله بن الحكم عن محمد بن جعفر قال " وقال " بإثبات الواو ، وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر ولفظه " قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دخلت فعليك الكيس الكيس .

                                                                                                                                                                                  قوله ( الكيس الكيس ) مذكور مرتين ومنصوب على الإغراء ، والكيس الجماع والعقل ، والمراد حثه على ابتغاء الولد . وقال الخطابي : الكيس هنا يجري مجرى الحذر من العجز عن الجماع ، ففيه الحث على الجماع ، وقد يكون بمعنى الرفق وحسن التأني . وقال ابن الأعرابي : الكيس العقل - كأنه جعل طلب الولد عقلا ، وفي اللغة الكوس - بالسين المهملة والمعجمة - الجماع ، يقال كاس الجارية وكاسها وكايسها وكاوسها مكاوسة وكواسا واكتاسها ; كل ذلك إذا جامعها .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية