الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4798 24 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، وشعيب بن الحبحاب ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة وحماد هو ابن زيد وثابت هو ابن أسلم البناني بضم الموحدة ، وتخفيف النون الأولى وشعيب بن الحبحاب بفتح الحاءين المهملتين وسكون الباء الموحدة الأولى البصري .

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مر في غزوة خيبر واحتجت الطائفة الأولى أعني سعيد بن المسيب والحسن البصري ومن معهما بهذا الحديث فيما ذهبوا إليه وأجابت الطائفة الثانية بأجوبة منها أنهم قالوا : هذا من قول أنس ; لأنه لم يسنده فلعله تأويل منه إذ لم يسم لها صداق ، ومنها ما قاله الطحاوي : إنه مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس لغيره أن يفعل ذلك ، ومنها أن الطحاوي روى عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل في جويرية بنت الحارث مثل ما فعله في صفية ثم قال ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الحكم أنه يجدد لها صداقا فدل هذا أن الحكم في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون ذلك سماعا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون دله على هذا خصوصيته صلى الله عليه وسلم بذلك وعلى كلا التقديرين تقوم الحجة لأهل المقالة الثانية قلت : ومما يؤيد كلام ابن [ ص: 82 ] عمر ما رواه البيهقي من حديث القواريري حدثتنا عليلة بنت الكميت ، عن أمها أميمة بنت رزينة ، عن أمها رزينة قالت : لما كان يوم قريظة والنضير جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية يقودها سبية حتى فتح الله عليه وذراعها في يده فأعتقها وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة ، قلت : رزينة بضم الراء وفتح الزاي وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن المرابط : قول أنس أصدقها نفسها أنه من رأيه وظنه ، وإنما قال ذلك مدافعة للسائل ألا ترى أنه قال : فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين فكيف علم أنس أنه أصدقها نفسها قبل ذلك ، وقد صح عنه أنه لم يعلم أنها زوجته إلا بالحجاب فدل أن قوله هذا لم يشهده على نبينا صلى الله عليه وسلم ولا غيره ، وإنما ظنه أنس والناس معه ظنا مع أن كتاب الله أحق أن يتبع قال : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي الآية فهذا يدل على أنه أعتقها وخيرها في نفسها فاختارته صلى الله عليه وسلم فنكحها بما خصه الله تعالى بغير صداق ، وأما وجه النظر فيه أنا إذا جعلنا العتق صداقا فإما أن يتقرر العتق حالة الرق وهو محال لتناقضهما أو حالة الحرية فيلزم سبقيته على العقد فيلزم وجود العتق حالة فرض عدمه وهو محال ; لأن الصداق لا بد أن يتقدم تقرره على الزوج إما نصا ، وإما حكما حتى تملك الزوجة طلبه وإن لم يتعين لها حالة العقد شيء لكنها تملك المطالبة فثبت أنه ثبت لها حالة العقد شيء يطالب به الزوج ولا يتأتى مثل ذلك في العتق فاستحال أن يكون صداقا فافهم ، وقال ابن الجوزي : فإن قيل : ثواب العتق عظيم فكيف فوته حيث جعله مهرا ، وكان يمكن جعل المهر غيره .

                                                                                                                                                                                  فالجواب : أن صفية بنت ملك ومثلها لا يقنع في المهر إلا بالكثير ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ما يرضيها به ولم ير أن يقصر بها فجعل صداقها نفسها ، وذلك عندها أشرف من المال الكثير .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية