الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
، والعفو عن دم العمد جائز في المرض من جميع المال ; لأن دم العمد ليس بمال وبالمرض إنما يلحقه الحجر عن التصرف في ماله لحق ورثته ففيما ليس بمال : المرض ، والصحة فيه سواء ، والقاتل وغير القاتل فيه سواء ( ألا ترى ) أنه لو أعان إنسانا بيديه لا يعتبر ذلك من ثلث ماله ، وإن كان ذلك الرجل قاتلا له .

وعلى قول الشافعي عفوه في القصاص صحيح ، ولكن في حق المال باطل ; لأن العمد عنده موجب للمال ولا وصية للقاتل ، والعفو عن أحد القاتلين لا يبطل القود عن الآخر ، وكذلك الصلح مع أحدهما ; لأن القصاص لزمهما بالقتل ، ثم سقط أحدهما بالعفو ودم أحدهما متميز عن دم الآخر فسقوطه عن أحدهما لا يورث شبهة في حق الآخر بخلاف ما لم إذا لم يجب القصاص على أحد القاتلين ; لأن هناك الفعلان اجتمعا في محل واحد وأحدهما موجب ، والآخر غير موجب ، ودم المقتول لا يتميز بعضه عن بعض قال : ولكل وارث في دم العمد نصيب بميراثه يجوز فيه عفوه وصلحه أما الدية إذا وجبت بالقتل فلكل وارث فيها نصيب عندنا . وقال مالك لا يرث الزوج والزوجة من الدية شيئا ; لأن وجوبها بعد الموت ، والزوجية تنقطع بالموت وحجتنا في ذلك حديث { الضحاك بن سفيان الكلابي أنه أتاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم ، وقد كان عمر يقول لا ميراث للزوج ، والزوجة من الدية ، ثم رجع إلى هذا الحديث } ، وعن علي رضي الله عنه أنه كان يقسم الدية على من أحرز الميراث وعنه قال : إذا أوصى الرجل بثلثه دخلت ديته في تلك الوصية ولأن بدل نفسه كسائر أمواله حتى يقضي منه دينه فيرث منه جميع ورثته كسائر الأموال ، وكذلك يثبت حق الزوج والزوجة في القصاص عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى لا يثبت حقهما في القصاص ; لأن سبب استحقاقها العقد ، والقصاص لا يستحق بالعقد .

( ألا ترى ) أن حق الموصى له لا يثبت في القصاص ، وهذا لا ، فإن المقصود في القصاص التشفي ، والانتقام وذلك يختص به الأقارب الذين ينصر بعضهم بعضا وحجتنا في ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام { من ترك مالا ، أو حقا فلورثته } ، والقصاص حقه ; لأنه بدل نفسه فيكون ميراثا لجميع ورثته كالدية ، والدليل عليه أن استحقاق الإرث بالزوجية كاستحقاقه بالقرابة حتى لا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد وبه [ ص: 158 ] فارق الوصية وبهذا تبين أن الاستحقاق ليس بالعقد .

التالي السابق


الخدمات العلمية