الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو شهد شاهدان أنه قطع يده عمدا من مفصله وشهد شاهد أنه قطع رجله من المفصل ، ثم شهدوا جميعا أنه لم يزل صاحب فراش حتى مات ، والولي يدعي ذلك كله عمدا فإني أقضي على القاتل بنصف الدية في ماله ; لأن قطع الرجل لم يثبت عند القاضي فإن الشاهد به واحد ، وقد ثبت قطع اليد من المفصل عند القاضي بشهادة الشاهدين ، ولكن قد أقر الولي أنه مات من ذلك الفعل ، ومن فعل آخر لم يعلم فاعله فيكون ذلك شبهة في إسقاط القود ويتوزع بدل النفس نصفين فيلزمه نصف الدية في ماله ; لأن فعله كان عمدا فلا يعقله العاقلة واقرار الولي حجة عليه في حقه ، وكذلك لو شهد على الرجل شاهدان فلم يزكيا ; لأن الحجة في الرجل لا تتم بدون عدالة الشهود فهما وما لو كان الشاهد به واحدا سواء ولو زكي أحد شاهدي اليد وأحد شاهدي الرجل لم يؤخذ القاتل بشيء ; لأن واحدا من الفعلين لم يثبت عند القاضي فإن العدل من الشهود بكل فعل واحد ولا يقال قد اتفق العدلان على الحكم ، وهو القصاص فينبغي أن يقضي به ; لأنه لا يمكن القضاء بالحكم إلا بعد القضاء بالسبب ، وقد تعذر القضاء بذلك ( ألا ترى ) [ ص: 169 ] أنه لو شهد عليه رجل أنه قطع أصبعا له وشهد الآخر أنه استهلك له ألف درهم لم يقض القاضي عليه بشيء ، فإن اتفقا على وجوب الألف له في ماله ، فإن نكلوا جميعا قضيت عليه بالقصاص ; لأن الفعلين ظهرا بالحجر عند القاضي ، فإن طلب الولي أن يقتص من اليد ، والرجل لم يكن له ذلك ; لأنه لما اتصلت بفعله السراية كان ذلك قتلا فيكون حقه في القصاص في النفس مقصودا دون الأطراف ، وقد بينا خلاف الشافعي في هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية