الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : وفي الموضحة نصف عشر الدية ، والكلام في معرفة الشجاج أن يقول : الشجاج الحارصة ، وهي التي تشق الجلد ومنه يقال : حرص القصار الثوب ثم الدامعة ، وهي التي يخرج منها قدر الدمع من الدم ثم الدامية ، وهي التي يخرج منها قدر الدمع من الدم ثم الباضعة ، وهي التي تبضع بعض اللحم ثم المتلاحمة ، وهي التي تقطع أكثر اللحم .

وروي عن محمد رحمه الله أن المتلاحمة قبل الباضعة ، وهو اختلاف في مأخذ الكلم لا في الحكم فمحمد رحمه الله ذهب إلى أن المتلاحمة مأخوذة من قولك التحم الشيئان إذا اتصل أحدهما بالآخر ، والمتلاحمة ما تظهر اللحم ، ولا تقطعه ، والباضعة بعدها ، وفي ظاهر الرواية المتلاحمة : ما تعمل في قطع أكثر اللحم فهي بعد الباضعة ثم السمحاق : وهي التي تقطع اللحم وتظهر الجلدة الرقيقة بين اللحم ، والعظم فتلك الجلدة تسمى سمحاقا ، ومنه سمي العظم الرقيق سماحيق ثم الموضحة ، وهي التي توضح العظم حتى يبدو ثم الهاشمة : وهي التي تكسر العظم ثم المنقلة ، وهي التي يخرج منها العظم أو تجعل العظم كالنقلة ، وهي كالحصى ثم الآمة ، وهي التي تظهر الجلد بين العظم ، والدماغ ، وتسمى تلك الجلدة أم الرأس ثم الدامغة ، وهي التي تجرح الدماغ إلا أن محمدا رحمه الله لم يذكر الدامغة ; لأن النفس لا تبقى [ ص: 74 ] بعدها عادة فيكون ذلك قتلا لا شجة ، ولم يذكر الحارصة ، والدامية ; لأن الظاهر أنه لا يبقى لهما أثر ، وبدون بقاء الأثر لا يجب شيء .

فأما بيان الأحكام فنقول : أما في الموضحة : فيجب نصف عشر الدية هكذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : في الموضحة خمس من الإبل ، وهكذا روي في حديث عمرو بن حزم ، وفيما يرويه سعيد بن المسيب ، وهذا إذا كانت الموضحة خطأ فإن كانت عمدا ففيها القصاص ; لأن اعتبار المساواة فيها ممكن فإن عملها في اللحم دون العظم ، والجنايات فيما دون النفس توجب القصاص إذا أمكن اعتبار المساواة فيها ، فأما قبل الموضحة من الشجاج ففيها حكومة عدل إذا كانت خطأ ، وكذلك إن كانت عمدا في رواية الحسن عن أبي حنيفة فإنه لا قصاص فيما دون الموضحة ; لأنه يتعذر اعتبار المساواة فيها من حيث المقدار فربما يبقى من أثر فعل الثاني فوق ما يبقى من أثر فعل الأول ، وفي ظاهر الرواية يقول : فيها القصاص ; لأن عملها في الجلد أعظم ، والمساواة فيها ممكنة بأن يسبر غورها بالمسبار ثم يتخذ حديدة بقدر ذلك فيقطع بها مقدار ما قطع ، وإيجاب حكومة العدل في هذه الشجاج مروي عن إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز رحمهما الله قالا ما دون الموضحة من الشجاج بمنزلة الخدوش ففيها حكومة عدل .

وقد جاء في الحديث أن عليا رضي الله عنه قضى في السمحاق بأربع من الإبل ، وإنما يحمل على أن ذلك كان مقدار حكومة عدل ثم اختلف المتأخرون من مشايخنا رحمهم الله في معرفة حكومة العدل فقال الطحاوي السبيل في ذلك أن يقوم لو كان مملوكا بدون هذا الأثر ويقوم مع هذا الأثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القيمتين كم هو ؟ فإن كان بقدر نصف العشر يجب نصف عشر الدية ، وإن كان بقدر ربع العشر يجب ربع عشر الدية ، وكان الكرخي يقول : هذا غير صحيح فربما يكون نقصان القيمة بالشجاج التي قبل الموضحة أكثر من نصف العشر ، فيؤدي هذا القول إلى أن يوجب في هذه الشجاج من الدية فوق ما أوجبه الشرع في الموضحة ، وذلك لا يجوز ، ولكن الصحيح أن ينظر كم مقدار هذه الشجة من نصف عشر الدية ؟ لأن وجوب نصف عشر الدية ثابت بالنص وما لا نص فيه يرد إلى المنصوص عليه باعتبار المعنى فيه .

فأما في الهاشمة عشر الدية ، وفي المنقلة عشر ونصف عشر الدية ، وفي الآمة ثلث الدية وتسمى المأمومة أيضا ، وذلك فيما كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم قال { في الهاشمة عشر من الإبل ، وفي المنقلة خمسة عشر ، وفي الآمة ثلث الدية } ، والجائفة كالآمة يجب فيها ثلث الدية ; لأن الجائفة واصلة إلى أحد الجوفين ، وهو جوف البطن فتكون كالواصلة [ ص: 75 ] إلى جوف الرأس ، وهي الدماغ ، وإن نفذت الجائفة ففيها ثلث الدية ; لأنها بمنزلة الجائفتين أحدهما من جانب البطن ، والأخرى من جانب الظهر فيجب في كل واحدة منهما ثلث الدية ، وفي كل مفصل من الأصابع ثلث دية الأصبع إذا كان فيها ثلاثة مفاصل وإن كان فيها مفصلان ففي كل مفصل نصف دية الأصبع ; لأن المفاصل للأصبع كالأصابع لليد فكما أن دية اليد تتوزع على الأصابع على التساوي فكذلك دية الأصبع تتوزع على المفاصل على التساوي ، فالأصبع إذا كانت ذات مفصلين كالإبهام فإنه يجب في كل مفصل نصف دية الأصبع ، وإذا كانت ذات ثلاثة مفاصل ففي كل مفصل ثلث دية الأصبع ، وذلك مروي عن علي وابن عباس قالا لا يفضل شيء منها على شيء وابن مسعود قال في دية الخطأ أخماسا عشرون جذعة وعشرون حقة وعشرون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض .

التالي السابق


الخدمات العلمية