الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3982 ) فصل : وإن كان المغصوب من المثليات فتلف ، وجب رد مثله فإن فقد المثل ، وجبت قيمته يوم انقطاع المثل . وقال القاضي : تجب قيمته يوم قبض البدل ; لأن الواجب المثل إلى حين قبض البدل ، بدليل أنه لو وجد المثل بعد فقده ، لكان الواجب هو دون القيمة . وقال أبو حنيفة ، ومالك وأكثر أصحاب الشافعي : تجب قيمته يوم المحاكمة ; لأن القيمة لم تنتقل إلى ذمته إلا حين حكم بها الحاكم .

                                                                                                                                            ولنا ، أن القيمة وجبت في الذمة حين انقطاع المثل ، فاعتبرت القيمة حينئذ ، كتلف المتقوم ، ودليل وجوبها حينئذ أنه يستحق طلبها واستيفاءها ، ويجب على الغاصب أداؤها ، ولا ينفي وجوب المثل ; لأنه معجوز عنه ، والتكليف يستدعي الوسع ، ولأنه لا يستحق طلب المثل ولا استيفاءه ، ولا يجب على الآخر أداؤه ، فلم يكن واجبا كحالة المحاكمة .

                                                                                                                                            وأما إذا قدر على المثل بعد فقده ، فإنه يعود وجوبه ; لأنه الأصل قدر عليه قبل أداء البدل ، فأشبه القدرة على الماء بعد التيمم ، ولهذا لو قدر عليه بعد المحاكمة وقبل الاستيفاء ، لاستحق المالك طلبه وأخذه . وقد روي عن أحمد في رجل أخذ من رجل أرطالا من كذا وكذا : أعطاه على السعر يوم أخذه ، لا يوم يحاسبه .

                                                                                                                                            وكذلك روي عنه في حوائج البقال : عليه القيمة يوم الأخذ . وهذا يدل على أن القيمة تعتبر يوم الغصب . وقد ذكرنا ذلك في الفصل قبل هذا . ويمكن التفريق بين هذا وبين الغصب من قبل أن من أخذه هاهنا بإذن مالكه ، ملكه وحل له التصرف فيه ، فتثبت قيمته يوم ملكه ، ولم يتغير ما ثبت في ذمته بتغير قيمة ما أخذه ; لأنه ملكه ، والمغصوب ملك للمغصوب منه ، والواجب رده لا قيمته ، وإنما تثبت قيمته في الذمة يوم تلفه ، أو انقطاع مثله ، فاعتبرت القيمة حينئذ ، وتغيرت بتغيره قبل ذلك .

                                                                                                                                            فأما إن كان المغصوب باقيا ، وتعذر رده ، فأوجبنا [ ص: 163 ] رد قيمته ، فإنه يطالبه بقيمته يوم قبضها ; لأن القيمة لم تثبت في الذمة قبل ذلك ، ولهذا يتخير بين أخذها والمطالبة بها ، وبين الصبر إلى وقت إمكان الرد ومطالبة الغاصب بالسعي في رده ، وإنما يأخذ القيمة لأجل الحيلولة بينه وبينه ، فيعتبر ما يقوم مقامه ، ولأن ملكه لم يزل عنه ، بخلاف غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية