الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3761 ) فصل : قال أحمد في رواية أبي الحارث ، في رجل له على آخر دراهم ، فبعث إليه رسولا يقبضها ، فبعث إليه مع الرسول دينارا ، فضاع مع الرسول ، فهو من مال الباعث ; لأنه لم يأمره بمصارفته ، إنما كان [ ص: 65 ] من ضمان الباعث ; لأنه دفع إلى الرسول غير ما أمره به المرسل ، فإن المرسل إنما أمره بقبض ما له في ذمته ، وهي الدراهم ، ولم يدفعها ، وإنما دفع دينارا عوضا عن عشرة دراهم ، وهذا صرف يفتقر إلى رضى صاحب الدين وإذنه ، ولم يأذن ، فصار الرسول وكيلا للباعث في تأديته إلى صاحب الدين ومصارفته به ، فإذا تلف في يد وكيله . كان من ضمانه ، اللهم إلا أن يخبر الرسول الغريم أن رب الدين أذن له في قبض الدينار عن الدراهم . فيكون حينئذ من ضمان الرسول ; لأنه غره وأخذ الدينار على أنه وكيل للمرسل .

                                                                                                                                            وإن قبض منه الدراهم التي أمر بقبضها ، فضاعت من الرسول ، فهي من ضمان صاحب الدين ; لأنها تلفت من يد وكيله . وقال أحمد في رواية مهنا ، في رجل له عند آخر دنانير وثياب ، فبعث إليه رسولا ، وقال : خذ دينارا وثوبا . فأخذ دينارين وثوبين ، فضاعت ، فالضمان على الباعث . يعني الذي أعطاه الدينارين والثوبين ، ويرجع به على الرسول .

                                                                                                                                            يعني عليه ضمان الدينار والثوب الزائدين ; إنما جعل عليه الضمان ; لأنه دفعهما إلى من لم يؤمر بدفعهما إليه ، ورجع بهما على الرسول ; لأنه غره ، وحصل التلف في يده ، فاستقر عليه الضمان . وللموكل تضمين الوكيل ; لأنه تعدى بقبض ما لم يؤمر بقبضه . فإذا ضمنه ، لم يرجع على أحد ; لأن التلف حصل في يده ، فاستقر الضمان عليه . وقال أحمد في رجل وكل وكيلا في اقتضاء دينه ، وغاب ، فأخذ الوكيل به رهنا ، فتلف الرهن في يد الوكيل ، فقال : أساء الوكيل في أخذ الرهن ، ولا ضمان عليه . إنما لم يضمنه ; لأنه رهن فاسد ، والقبض في العقد الفاسد ، كالقبض في الصحيح ، فما كان القبض في صحيحه مضمونا ، كان مضمونا في فاسده ، وما كان غير مضمون في صحيحه ، كان غير مضمون في فاسده .

                                                                                                                                            ونقل البغوي ، عن أحمد في رجل أعطى آخر دراهم يشتري له بها شاة ، فخلطها مع دراهمه ، فضاعا ، فلا شيء عليه . وإن ضاع أحدهما ، أيهما ضاع غرمه قال القاضي : هذا محمول على أنه خلطها بما تميز منها . ويحتمل أنه أذن له في خلطها . أما إن خلطها بما لا تتميز منه بغير إذنه ، ضمنها ، كالوديعة . وإنما لزمه الضمان إذا ضاع أحدهما ، لأنه لا يعلم أن الضائع دراهم الموكل ، والأصل بقاؤها . ومعنى الضمان هاهنا ، أنه يحسب الضائع من دراهم نفسه

                                                                                                                                            فأما على المحمل الآخر ، وهو إذا خلطها بما تتميز منه ، فإذا ضاعت دراهم الموكل وحدها فلا ضمان عليه ; لأنها ضاعت من غير تعد منه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية