الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            النظم التعليمية عند المحدثين في القرون الثلاثة الأولى

            الأستاذ / المكي أقلانية

            المقدمة

            الحمد لله نحمده، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هـادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وبعد:

            فلقد ميز الله ابن آدم بالعقل على بقية المخلوقات، وجعل مدار التكليف، وتحمل أعباء المسؤولية عليه، وحثه على النظر في ملكوته، وأثنى على العلماء؛ فقال في الذكر الحكيم: ( قل هـل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) [الزمر: 9]،

            وقال أيضا: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) [المجادلة: 11].

            وبين أن من يخشاه حق الخشية هـم العلماء، فقال: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [فاطر: 28]

            ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أحاديث كثيرة، تدفع بالهمم إلى تلقي العلم والتعليم، وتبين شرف ذلك، منها ما رواه أبو هـريرة رضي الله عنه ، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة ) . [1]

            وعن أنس رضي الله عنه ، قال:

            ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خرج في [ ص: 31 ] طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ) . [2]

            وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نضر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع ) . [3]

            وبهذا يكون الدين الإسلامي قد فتح الباب على مصراعيه أمام المسلمين للتعلم والتعليم، ورغبهم في ذلك، ونفرهم من الجهل، فما مرت ثلاثة قرون، حتى بلغت الأمة الإسلامية الذروة في الحضارة، حتى تجاوزت باقي الأمم، وسادتهم، في وقت ما كان يتصور للمسلمين كل هـذه المكانة، خصوصا وأن غيرهم كانت لهم حضارات عريقة.

            هذا ما دفعنا إلى البحث في المجال التعليمي؛ لأنه المنطلق للإصلاح، وأساس كل حضارة، خصوصا وأن التعليم عند المسلمين له خصوصيات معينة، جعلته يؤثر ليس على الخاصة فقط، ولكن على العامة أيضا.

            إلا أن التعليم عند المسلمين ميدان واسع، فهو يشمل الحديث، والفقه، والأصول، واللغة، وبقية العلوم، وبعبارة أخرى يشمل كلا من العلوم الدينية، والدنيوية.

            ورغبة منا في منح الموضوع كل ما يستحق من العناية، قررنا أن تنصب الدراسة على مجال محدد من حيث الموضوع، والزمان، فكان اختيارنا للنظم التعليمية عند المحدثين إلى حدود القرن الثالث، بغية منا [ ص: 32 ] البحث عن مدى صيانتهم لسنة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، والتعرف على كيفية هـذه الصيانة قصد الاطمئنان إلى ما نقل إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

            إن تركيزنا على الجانب الحديثي، لا يعني بتاتا أن نظمه التعليمية تختلف تمام الاختلاف عن بقية الجوانب، فما من شك أن بينها أمورا تشترك فيها، ولكن لكل مجال مميزاته وخصوصياته.

            ولنا الآن أن نتساءل عن السبب الذي من أجله تم تحديد الدراسة بالقرن الثالث، وليس الخامس مثلا.

            إن المتأمل في تاريخ العلم والعلماء، يلمس شيوع ظاهرة المدارس في القرن الخامس، وكيف أصبح لها نظام خاص، لذلك لم نشأ التعريج على هـذه الحقبة، حتى تكون الدراسة مركزة.

            والقرن الثالث يعتبره المؤرخون عصر الازدهار، وفيه كان الإبداع في الدراسات: العلمية، والأدبية، والشرعية. لذا أحببنا الوقوف عنده، لتلمس النظام التعليمي الذي كان سائدا في هـاته الفترة، فما من شك أن المحدثين قد ساهموا في بناء هـذه الحضارة، وأثروا في العلوم الأخرى، كالأدب، والتاريخ، من حيث المنهج، ومن حيث النصوص كوقائع تاريخية [4] ، وكفن أدبي رفيع.

            إن إسهامات المحدثين في هـذا الجانب، ترجع إلى الوازع الديني، وإرادتهم العميقة في خدمة، وصيانة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتم ضبطه، ونشره بين طلاب العلم.

            فما هـي السبل التي اتبعوها لتكوين جيل قادر على الصمود في وجه بدع الزمان؟ [ ص: 33 ] وما هـي الأهداف المتوخاة من كل نظام يتخذونه؟

            ثم ما هـي خصوصيات التعليم عند المحدثين؟

            لا أخفي أن عملا كهذا يتطلب جهدا كبيرا، وبحثا طويلا، فالنصوص التي يمكن الاعتماد عليها موزعة في بطون الكتب، وليس في علمي أن أحدا قام بدراسة النظام التعليمي عند المسلمين بشكل متكامل ومرضي في أي مجال كان.. نعم قد نجد كتبا ألفت في طبقات المتعلمين، تتحدث عن الكتب التي يجب أن يدرسها الطالب، ليصل إلى الطبقة الأولى، أو الثانية، أو الثالثة.. إلخ. وهذا لا يدخل في صميم الموضوع الذي نحن بصدده، لا سيما ونحن لا نبحث عما يجب أن يكون، ولكن عما كان، وفي فترة محددة. وأمثال المؤلفات السابقة، كتبت بعد القرن الثالث الهجري.

            كان علينا إذن لتحقيق ما رسمناه، أن نجعل البحث في خمسة فصول:

            الفصل الأول: يتعلق بحلقات العلم من حديث ظهورها وشيوعها ونظامها.

            الفصل الثاني: يتعلق بالمذاكرة وتطور دلالتها وأهدافها ومكانتها.

            الفصل الثالث: خاص بالرحلة في طلب الحديث، ومدى توسع أهدافها، وقيمتها.

            الفصل الرابع: يرتبط بالإشراف التربوي والتعليمي عند المحدثين، ومزايا ذلك.

            الفصل الخامس: يدرس خصائص التعليم عند المحدثين.

            المكي أقلاينة [ ص: 34 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية