الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            النظم التعليمية عند المحدثين في القرون الثلاثة الأولى

            الأستاذ / المكي أقلانية

            المبحث الثالث

            الإشراف التربوي والتعليمي للصحابة ومن يليهم على طلبتهم

            تبين لنا أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، اهتم بتكوين صحابته تكوينا سليما يؤهلهم لأن يكونوا خلفا له بعد وفاته. وبالفعل تقلد الصحابة هـذه المهمة التربوية والتعليمية بكل أمانة وإخلاص.

            والجدير بالذكر أنهم مارسوها في حياته عليه السلام ، عندما كان [ ص: 115 ] يرسلهم إلى البلدان، ليعلموا أهلها الدين الإسلامي، وليقضوا بين المتخاصمين، ومن أوجه الإشراف عند الصحابة:

            1- تعليم مبادئ الدين الإسلامي، ويدخل في ذلك تحفيظ القرآن الكريم، ( فعن عبادة ابن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشغل، فإذا قدم الرجل مهاجرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دفعه إلى رجل منا، يعلمه القرآن... ) [1]

            " وعن أبي رجاء العطاردي قال: " كان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هـذا المسجد- مسجد البصرة- يقعد حلقا، فكأني أنظر إليه بين بردين أبيضين، يقرئني القرآن، ومنه أخذت هـذه السورة ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [العلق:1]. قال أبو رجاء: فكانت أول سورة أنزلت على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " [2]

            " وعن أنس قال: بعثني الأشعري إلى عمر رضي الله عنهما ، فقال عمر: كيف تركت الأشعري؟ فقلت له: تركته يعلم الناس القرآن، فقال: أما إنه كبير، ولا تسمعها إياه... " [3]

            من هـنا يتبين أن تحفيظ القرآن وحفظه كان منذ الجيل الأول، فماذا سيكون الأمر بالنسبة لتعاليم الدين؟ [ ص: 116 ]

            هنا نجد سلامة الكندي يقول: " كان علي يعلمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. " . [4]

            وروى ابن الحويرث قال: " قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم "

            [5]

            وعن ابن سيرين قال: " إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، كانا يعلمان الناس الإسلام... " [6]

            وهم في ذلك يعتمدون على الحفظ والضبط، فعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال: " كان أبو بكر رضي الله عنه ، يعلمنا التشهد على المنبر، كما يعلم المعلم الغلمان في المكتب " [7]

            وكان الصحابة إذا رأوا شخصا يخالف السنة، ينبهونه إلى ذلك، ويقومون له تصرفاته، فهاهو ذا حذيفة رضي الله عنه ، يدخل إلى المسجد، فيرى رجلا يصلي لا يتم الركوع والسجود. فهل يتركه وشأنه؟ ليس هـذا من خلق المسلمين، لهذا نجده يتجاذب معه أطراف الحديث، ويخبره بأنه ليس على الجادة، ويعلمه كيفية الصلاة [8] [ ص: 117 ]

            2- توصية الطلبة بما يصلح لهم في المعاش والمعاد، من ذلك ما ورد " عن أبي جحيفة رضي الله عنه ، قال: " كان يقال: جالس الكبراء، وخالل العلماء، وخالط الحكماء " [9]

            وبهذا يتضح أن الصحابة عملوا جهدهم على نشر التعاليم الدينية، تحديثا وقضاء وتفقيها وتوعية، مما جعلنا نطمئن إلى الجيل الذي يليهم، وإلى أن الدور الذي سيقوم به يرتكز على أساس متين، فنراهم يبثون العلم في الأصقاع الإسلامية، في الحضر والبوادي. فهذا ابن شهاب الزهري يحدث الأعراب [10]

            وذلك حماد بن سلمة، يجمع حوله الصبيان يحدثهم، فلما قيل له: " يا أبا سلمة، ما هـذا؟ قال: هـؤلاء الذين يحفظون عليك أمر دينك "

            [11]

            وكان إسماعيل بن رجاء يفعل نفس الشيء [12] ، ولا يقفون عند حد التحديث، بل يأمرونهم بالكتابة، كما يروي عتبة بن أبي حكيم الهمداني، إذ قال: " كنت عند عطاء بن أبي رباح، ونحن غلمان، فقال: يا غلمان، تعالوا اكتبوا، فمن كان منكم لا يحسن، كتبنا له، ومن لم يكن معه قرطاس أعطيناه من عندنا " [13]

            وهذا هـو التفاني في خدمة العلم؛ لأنه علم يربط الشخص بالعالم الآخر، عالم فيه جزاء وعقاب ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) [فصلت:33]. كما يربطه [ ص: 118 ]

            بالعالم الدنيوي. لذلك نجدهم يوصون طلبتهم بإدمان الطلب، وحسن السلوك، حتى يكونوا مثالا يقتدى به. ففي حديث " الأحنف : " تبادلوا تحابوا، وتهادوا تذهب الإحن والسخائم، وإياكم وحمية الأوغاب " [14]

            وعن أبي عاصم النبيل قال: " من طلب الحديث، فقد طلب أعلى أمور الدين، فيجب أن يكون خير الناس " [15] ؛ لأنهم أئمة يقتدى بهم.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية