الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            النظم التعليمية عند المحدثين في القرون الثلاثة الأولى

            الأستاذ / المكي أقلانية

            المبحث الثالث

            مراحل التعلم

            لقد كان الصبيان يقضون طفولتهم في حفظ القرآن الكريم وإتقانه مدة معينة، حتى إذا ما تمكنوا منه، انتقلوا إلى طلب الحديث وكتابته، أما قبل حفظ القرآن، فقد وجدنا من يمنع ذلك. فابن غياث لما ذهب إلى الأعمش وطلب منه أن يحدثه، سأله " أتحفظ القرآن؟ " فأجابه قائلا: لا. فقال الأعمش: " اذهب فاحفظ القرآن، ثم هـلم أحدثك " . قال ابن غياث : " فذهبت، فحفظت القرآن، ثم جئته فاستقرأني فقرأته فحدثني " [1] [ ص: 44 ]

            وعن عبيد بن جناد قال: " عرضت لابن المبارك ، فقلت: أمل علي. فقال: أقرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: اقرأ. فقرأت عشرا. فقال: هـل علمت ما اختلف الناس فيه من الوقوف والابتداء؟ قلت: أبصر الناس بالوقوف والابتداء. فقال: مدهامتان؟ قلت: آية. قال: فالألفاظ؟ قلت: عبقري وعباهري، ورفرف ورفارف، وسرق وسرق. قال: فالحديث سمعته من غيري؟ قلت: نعم. قال: فحدثني، قال: فحدثته في المناسك بأحاديث، فقال لي: أحسنت... " [2]

            أما فيما يتعلق بالسن التي يبدأ فيها الطالب طلب الحديث، فقد سار كل أهل بلد على نهج، بحيث يحققون الأهداف المتوخاة من تمرس الفرد بأسلوب التشريع القرآني، وخبرته بأحوال الناس والتعبد: فمنهم متشدد أخر سن طلب الحديث، ومنهم متساهل قدم سن تحمله.. وفي ذلك قال موسى بن هـارون : " أهل البصرة يكتبون لعشر سنين، وأهل الكوفة لعشرين، وأهل الشام لثلاثين " [3]

            وعن أبي الأحوص قال: " كان الرجل يتعبد عشرين سنة، ثم يكتب الحديث " [4]

            إلا أننا إذا ألزمنا الناس بسن معينة لطلب الحديث، فإننا [ ص: 45 ]

            سنسقط روايات عديد من الصحابة، سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم في حال الصغر، ومات الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يبلغوا بعد؛ كأبي الطفيل ، فإنه ولد عام أحد ، ولم يدرك سوى ثماني سنين من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم [5] ، وكذا مسلمة بن مخلد، فإنه ولد عام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ومات وهو ابن عشر [6]

            فهل تسقط روايات أمثال هـؤلاء نظرا لأنهم لم يبلغوا سنا معينة، يصح فيها تحمل الحديث، حسب ما ارتآه بعضهم؟ مع أن الحسن البصري كان يشجع الأحداث على طلب الحديث، ويقول: " قدموا إلينا أحداثكم، فإنهم أفرغ قلوبا وأحفظ لما سمعوا. فمن أراد الله عز وجل أن يتم ذلك له أتمه " [7]

            وبنحو هـذا قال غيره من الصحابة والتابعين.

            نخلص إذن إلى النتيجة التالية، وهي: أن العبرة ليست بالسن، ولكن بمدى استيعاب الطالب للقرآن الكريم. من أجل ذلك كان جملة من العلماء لا يقبلون الأطفال في حلقاتهم، حتى يسألوهم عن كتاب الله عز وجل . [ ص: 46 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية