الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            النظم التعليمية عند المحدثين في القرون الثلاثة الأولى

            الأستاذ / المكي أقلانية

            المبحث الخامس

            ارتباط العلم بالعمل

            مما تجب دراسته، مكانة العلم في التعليم عند المحدثين. فهل هـما متلازمان مترابطان؟ أم أنه لا رابط بينهما عندهم؟ عندما نعود إلى الذكر الحكيم، كثيرا ما نجد الإيمان مرتبطا بالعمل كما في الآيات التالية، وفي غيرها: [ ص: 151 ]

            ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات ) [البقرة:25]،

            وقوله: ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة ) [البقرة:82]،

            وقوله: ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة ) (البقرة:277]،

            وقوله: ( وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ) [آل عمران:57].

            وإذا علمنا أن العلماء أشد الناس خشية لله، لقوله تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [فاطر:28]، فإننا نعلم بأن علمهم كإيمانهم، مرتبط بالعمل.

            والمحدثون -علماء هـذه الأمة- يتتبعون السنن والآثار، ويسيرون على هـديها، ويتخذون من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة الحسنة، وذلك ابتداء من عهده عليه السلام ؛ " فعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى، حتى يعلموا ما في هـذه من العلم والعمل. قالوا: فعلمنا العلم والعمل " [1]

            " وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : يا حملة العلم، اعملوا به، فإنما العالم من علم ثم عمل، ووافق علمه عمله.. " [2]

            " وعن معاذ : اعملوا ما شئتم بعد أن تعلموا، فلن يأجركم الله بالعلم حتى تعملوا " [3] [ ص: 152 ]

            وهذا الارتباط الوثيق بين العلم والعمل راجع إلى كون المسلم مأمورا بتطبيق التعاليم الدينية، سواء ورد الأمر في كتاب الله عز وجل ، أو في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بناء على قوله تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) [الحشر:7].

            وقد ورد في القرآن الكريم ذم من يعظ الناس ولا يتعظ، في قوله تعالى: ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) [البقرة:44].

            وإن كانت الآية متعلقة ببني إسرائيل، إلا أنها تنطبق على كل عالم لا يعمل بعلمه، وعلى كل واعظ لا يتعظ. وفي هـذا المعنى " يقول جندب بن عبد الله البجلي : إن الذي يعظ الناس وينسى نفسه، كالمصباح يحرق نفسه ويضيء لغيره " [4]

            ولهذا فإننا نفهم تخوف " أبي الدرداء حين يقول: إنما أخشى من ربي يوم القيامة، أن يدعوني على رءوس الأشهاد، فيقول لي: يا عويمر. فأقول: لبيك رب. فيقول: ما عملت فيما علمت؟ " [5]

            وهذا التخوف منه، إنما هـو في الواقع ورع منه، وإلا فإنه إمام يقتدى به، متبع لأوامر الله ورسوله.

            كل هـذا يجعلنا نجزم أن الأئمة، والعلماء بصفة عامة، لم يكونوا ليحيدوا عن تطبيق ما بلغهم عن الله ورسوله من أوامر، خصوصا وأنهم يعلمون الوعيد الذي ينتظر من علم ولم يعمل، فأنعم بهم وأكرم من أناس حافظوا على الشريعة نقلا وتطبيقا!

            وتلكم إذن، هـي جملة من الخصائص التي يتميز بها التعليم عند المحدثين. [ ص: 153 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية