الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            النظم التعليمية عند المحدثين في القرون الثلاثة الأولى

            الأستاذ / المكي أقلانية

            المبحث الثالث

            الحث على الرحلة وتوصيات المحدثين

            لقد كان التشجيع على الرحلة منذ القديم، فعن عبد الرحمن القشيري قال: قال داود النبي عليه السلام : " قل لصاحب العلم يتخذ عصا من حديد، ونعلين من حديد، ويطلب العلم حتى تنكسر العصا، وتنخرق النعلان " . [1]

            ولما سئل أحمد بن حنبل : " أيرحل الرجل في طلب العلو؟ أجاب قائلا: بلى والله، لقد كان علقمة والأسود يبلغهما الحديث عن عمر - رضي الله عنه - فلا يقنعهما حتى يخرجا إلى عمر - رضي الله عنه - فيسمعانه منه " [2] [ ص: 105 ]

            وعن عبد الله بن حنبل قال: " سألت أبي رحمه الله، عمن طلب العلم، ترى له أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه؟ أو ترى أن يرحل إلى المواضع التي فيها العلم، فيسمع منهم؟ قال: يرحل، يكتب عن الكوفيين، والبصريين، وأهل المدينة، ومكة، يسأل الناس يسمع منهم " [3]

            وقال الزهري لأبي بكر الهذلي: " إني أراك يعجبك الحديث؟ فقال: " أجل، قال: أما إنه لا تعجبه إلا ذكور الرجال " [4]

            ، وهذا بيان أن من يتعاطى الحديث، عليه أن يكون صبورا، متحملا للمشاق والسفر الطويل، ومتحملا لمزاج الشيوخ أيضا. فإذا عرف المحدث بالطلب والرحلة، أخذوا عنه وتزاحموا على بابه لكثرة شيوخه.

            وقد اشتهر بالرحلة محدثون مثل: مسروق، ومحكول، الذي قال ابن إسحاق عنه: سمعت مكحولا يقول: " طفت الأرض في طلب العلم "

            [5]

            وابن المبارك الذي قال فيه أحمد بن حنبل: " لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن، وإلى مصر، وإلى الشام، والبصرة، والكوفة، وكان من رواة العلم وأهلا لذلك "

            [6]

            وغيرهم كثير.

            وعلى هـذا فقد أصبحت الرحلة ميزة في حق المحدث، لذلك تطالعنا في كتب الرجال [7]

            صيغة المبالغة في وصفه بالرحلة: فعال [ ص: 106 ] وفعالة، فيقال: رحال، رحالة، جوال، من ركبار الرحالة.

            وتوخيا لتحقيق ما ذكرنا، نجد المحدثين يقدمون جملة من التوصيات إلى طلبة العلم، منها:

            1- الأخذ عمن عرف بشدة الطلب بصفة عامة؛ لأن ذلك عنوان دقته وتحريه، قال إبراهيم بن الأشعث : " إذا وجدتم رجلا معروفا بشدة الطلب، ومجالسة الرجال، فاكتبوا عنه " [8]

            2- توصيات تتعلق بالحث على الرحلة إلى أشخاص بعينهم، وعلى سبيل المثال، ما رواه معمر عن أيوب قال له: " إن كنت راحلا إلى أحد، فارحل إلى ابن طاووس ، وإلا فالزم تجارتك " [9]

            وسئل أحمد بن حنبل : " عمن ترى أن يكتب الحديث؟ فأجاب: اخرج إلى أحمد بن يوسف ، فإنه شيخ الإسلام " [10]

            وبهذا يتبين أن المحدثين كانوا حريصين على أن يتلقى الطلبة العلم عن الثقات حتى يكون تكوينهم متينا.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية