الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقال قائلون ممن ذهب إلى القول الأول : ليس بين السائمة وغيرها من الإبل فرق والزكاة واجبة في العوامل منها كما تجب في السوائم منها ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفصل في ذلك بين عاملة ولا سائمة وذكروا في ذلك ما :

                  590 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الله بن عمر ويحيى بن عبد الله بن سالم ، ومالك ، وسفيان بن عيينة ، أن عمرو بن يحيى المازني حدثهم ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " .

                  قالوا : وكذلك كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسائر عماله على الصدقات منهم : عمرو بن حزم ، ولم يذكر فيها سائمة ولا عاملة ، وذلك لاستواء الأحكام فيها وانتقال الاختلاف عنها .

                  فكان من الحجة عليهم للآخرين من أهل القول الأول أن حديث عمرو بن يحيى الذي ذكروه في هذا الباب : " ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة " ، وفيه أيضا : " فيما دون خمسة أوسق صدقة ، فلم يكن ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - في الأوسق على العموم ، ولا على كل الأوساق ، وإنما كان على خاص منها .

                  ألا ترى أن من كان عنده خمسة أوسق لم تخرجها أرضه أنه لا زكاة عليه فيها إلا أن تكون للتجارة ، فبلغ قيمتها ما تجب فيه الزكاة ، ويحول عليها الحول فيزكيها .

                  فلما كان قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " ، إنما هو على خاص من الأوسق قد فهمه المخاطبون به ، كان كذلك قوله : " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " على خاص من الأذواد قد علمه المخاطبون بهولما كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ممن قد روي عنه فرائض الإبل على ما : [ ص: 293 ] .

                  591 - حدثنا بكار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي - رضي الله عنه - ، أنه قال في صدقة الإبل : " في خمس شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه " ، وذكر فرائض الإبل " . وأخرج ذلك على العموم ، وقد كان من قوله : ألا صدقة على العوامل منها ، على ما قد رويناه عنه في هذا الباب ، دل ذلك أن مراده الإبل السائمة ، لا الإبل العاملة .

                  ثم قد وجدنا في كتاب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لأنس بن مالك حين ولاه على الصدقة ما :

                  592 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : حدثنا أبي ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عن أنس ، أن أبا بكر الصديق لما استخلف وجه أنس بن مالك إلى البحرين ، وكتب له هذا الكتاب : " هذه فريضة من الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين ، التي أمر الله - عز وجل - بها ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعطها : في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها ابنة مخاض ، ثم ذكر فرائض الإبل ، ثم ذكر صدقة الغنم ، فقال : وصدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة فذكر صدقتها " .

                  593 - حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حماد ، وحدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو عمر ، قال : أخبرنا حماد ، قال : أرسلني ثابت البناني إلى ثمامة بن عبد الله ليبعث إليه بكتاب أبي بكر الذي كتب لأنس حين بعثه مصدقا .

                  قال حماد : فدفعه إلي ، فإذا عليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا فيه ذكر فرائض الصدقات التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين الذي أمر الله - عز وجل - بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئلها على غير وجهها فلا يعطها ، ثم ذكر مثل حديث إبراهيم الذي ذكرناه [ ص: 294 ] .

                  وكان قد أطلق ذكر الإبل في أول الحديث ، ثم قصد في الغنم إلى السائمة منها . فدل ذلك أن العاملة منها بخلاف السائمة ، وأنه لم يقصد الذكر إلى السائمة في الصدقة إلا وحكمها خلاف ما سواها من المواشي غير السوائم منها .

                  ولما كان ما خوطبنا به في القرآن من الزكوات لم يرد به وجوبها في كل الأموال ، وإنما أريد به وجوبها في خاص من الأموال وجب ألا يدخل فيما أجمعوا على أن المراد به الخاص ، إلا ما قد أجمعوا على دخوله فيه ، وما دل على دخوله فيه سنة قائمة أو قياس صحيح .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية