الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمد بن المثنى ) : وزاد في نسخة قبله أبو موسى . ( أخبرنا ) : وفي نسخة " أنبأنا " . ( أبو داود ) : أي الطيالسي لأنه يروي عن شعبة . ( أخبرنا ) : وفي نسخة " حدثنا " . ( شعبة عن سماك بن حرب قال : سمعت جابر بن سمرة سئل عن شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ) : كذا بالفاء في الأصول المعتمدة ، وفي نسخة " قال " فلا إشكال ; لأنه بدل أو بيان أو مفعول ثان عند من يقول به ، وجملة سئل بتقدير قد أو بدونه حال معترضة ، وأما على الأول فقال العصام : لا يخفى أن " سئل " حال بتقدير قد ، وقوله " فقال " معطوف عليه ، وما بعده مقول القول ، فلم يبق في الكلام شيء يكون مفعولا ثانيا لسمعت فيحتاج إلى أن يقدر بعد تمام الإسناد يقول ، انتهى . وهو مبني على قول ضعيف أن " سمع " متعد بنفسه إلى مفعولين ، والأظهر أن " سئل " ، " وفقال " إلى آخره المجموع بيان للمسموع ، وحاصله أني سمعت كلام سائله ، فجوابه . ( كان دهن رأسه ) : بفتح الهاء ، وروي " ادهن " بتشديد الدال وكلاهما بمعنى واحد ، وهو استعمال الدهن بالضم ، كذا قاله الحنفي ، وفيه أن باب الافتعال منه لازم ، ففي القاموس : دهن رأسه وغيره دهنا بله ، وقد ادهن به على وزن افتعل . وقال ميرك : كذا في أصل سماعنا دهن من الثلاثي المجرد ، وكذا لم يدهن ، وفي بعض النسخ ادهن من باب الافتعال ، وكذا لم يدهن ، وعلى التقديرين يكون رأسه مفعولا . ولكن قال في المغرب : دهن رأسه أو شاربه إذا طلاه بالدهن وادهن على وزن افتعل إذا تولى ذلك بنفسه من ذكر المفعول ، فقوله ادهن شاربه خطأ . وفي الصحاح : دهنته بالدهن أدهنته وتدهن هو بنفسه وادهن أيضا على افتعل إذا تطلى بالدهن ، انتهى . قال العصام : وجاء في رواية ادهن من الافتعال وهو لازم فيرفع رأسه على أنه فاعل ادهن ، ومن حفظ معه نصب رأسه ، فبعضهم يخطئ الرواية ، وبعضهم يتكلف بما يخالف الدراية ، ومنهم من حكم بأنهما بمعنى واحد ولم ينظر هل اللغة تساعده فإن أبيت ، وصح أن الرواية نصب رأسه لا محالة فالتركيب من قبيل ( سفه نفسه ) أو على تضمين الادهان معنى الدهن ، انتهى . وقد تحقق مما سبق أن دعوى الرواية من الحنفي وردها من ميرك شاه ولا شبهة في أن قول ميرك أولى بالقبول في باب الرواية وإن كان [ ص: 112 ] نافيا ، والقاعدة أن المثبت مقدم ; لأن الحنفي ليس مظنة لما ادعاه فإن روايته المعتبرة من طريق ميرك وكذا رواية العصام ، نعم لو بينا من رويا عنه لقدما فإن زيادة الثقة مقبولة ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، ثم لم يصرح أحد برفع رأسه بل نفاه ميرك ولما خطأ الرواية وأيد خطأها بما في كتب اللغة من الدراية لم يلتفت إلى تصحيحها بتأويل يجوزه أهل اللغة ، وعندي أن هذا انتقال من ناقل الرواية مما وردت في حديث ليس فيه ذكر الرأس من غير تأمل للفرق في الموضعين ، والله أعلم ، وأما قول العصام : إنه من قبيل ( سفه نفسه ) فإنما على تقدير صحة الرواية أولا وضبط نصبه المبني عليها ثانيا ، ثم معنى الآية على ما قاله البيضاوي استمهنها وأذلها واستخف بها . قال المبرد وثعلب : سفه بالكسر متعد وبالضم لازم ويشهد له ما جاء في الحديث : " الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس " أي تحقرهم ، وقيل أصله سفه نفسه على الرفع فنصب على التمييز ، أو سفه في نفسه فنصب بنزع الخافض ، انتهى . فكلام العصام مبني على أحد القبيلين والأول منهما مذهب كوفي ; فإن التمييز لا يكون إلا نكرة عند البصري ، وأما قوله أو على التضمين فكأنه أراد أن التقدير أدهن داهنا رأسه . ( لم ير منه ) : أي من شعر رأسه أو من أجل دهنه . ( شيب ) : لالتباس بياضه للمعان الشعر من الدهن . ( فإذا لم يدهن ) : بضم الهاء كذا مضبوط في أصلنا ، وهو المفهوم من القاموس ، لكن قال الحنفي وتبعه العصام أن مضارعه بالحركات الثلاث ، والله أعلم . ( رئي ) : أي شيب . ( منه ) : ووقع في رواية مسلم والنسائي عن جابر أيضا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته وكان إذا دهن لم يتبين وإذا شعث رأسه تبين . قال الطيبي : شعث أي تفرق شعر رأسه ، فدل هذا على أنه عند الادهان كان يجمع شعر رأسه ويضم بعضه إلى بعض ، وكانت الشعرات البيض من قلتها لا تبين ، فإذا شعث رأسه ظهرت .

التالي السابق


الخدمات العلمية