الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا أبو كريب ) بالتصغير ، وفي نسخة زيادة ( محمد بن العلاء حدثنا أبو بكر بن عياش ) بتحتية مشددة وشين معجمة ، وهو مشهور بكنيته ، واسمه شعبة ، وقيل : اسمه محمد أو عبد الله أو سالم ، أو رؤبة أو مسلم ، أو خداش أو مطرف ، أو حماد أو خبيب ، عشرة أقوال ، وهو المقري صاحب عاصم القارئ المشهور ( عن ثابت أبي حمزة ) وفي نسخة : ابن أبي حمزة ( الثمالي ) بضم المثلثة ، وخفة الميم منسوب إلى ثمالة ، وهو لقب عوف بن أسلم أحد أجداد أبي حمزة ، ولقب بذلك ; لأنه كان يسقيهم اللبن بثمالته أي برغوته ، روى عن أنس وعدة وعنه وكيع وأبو نعيم وخلق ضعفوه ( عن الشعبي ) بفتح فسكون ( عن أم هانئ ) بهمز في آخره ، قال ميرك : هي بنت [ ص: 268 ] أبي طالب ، واسمها فاختة ، وقيل : هند ، لها صحبة وأحاديث ( قالت : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ) أي في بيتي يوم فتح مكة ( فقال : أعندك شيء ) أي مما يؤكل ( فقلت : لا إلا خبز يابس وخل ) المستثنى منه محذوف والمستثنى بدل منه ، ونظيره في الصحاح قول عائشة : " لا إلا شيء بعثت به أم عطية " ، قال المالكي : فيه شاهد على إبدال ما بعد إلا من محذوف ; لأن الأصل لا شيء عندنا إلا شيء بعثت به أم عطية ، وقال ابن حجر : أي ليس شيء عندنا ، فليست لا التي لنفي الجنس مما بعد إلا مستثنى استثناء مفرغا بما قبلها ، الدال عليه التقدير المذكور ، وبهذا يندفع ما نقل عن ابن مالك انتهى .

وبعده لا يخفى ، ثم رأيت الحديث برواية الطبراني ، وأبي نعيم عنها ، والحكيم الترمذي عن عائشة ، ولفظهم : " ما أقفر من أدم بيت فيه خل " فيزول الإشكال ، ويحمل التغيير على أنه من بعض الرواة ، والله أعلم بالحال . قيل : من حق أم هانئ أن تجيب ببلى عندي خبز ، فلم عدلت عنه إلى تلك العبارة ؟ وأجيب بأنها عظمت شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورأت أن الخبز اليابس والخل لا يصلحان أن يقدما إلى مثل ذلك الضيف ، فما عدتهما بشيء ، ومن ثمة طيب خاطرها صلى الله عليه وسلم وجبر حالها ( فقال : هاتي ) أي أعطي اسم فعل قاله الحنفي ، والأظهر أن معناه أحضري أي ما عندك ، وهو فعل أمر بقرينة هاتوا برهانكم ( ما أقفر ) أي ما خلا ( بيت من أدم ) بضمتين ويسكن الثاني متعلق بأقفر ( فيه خل ) صفة بيت ، وقد فصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي ، وأنه لا يجوز ويمكن أن يقال أنه حال ، وذو الحال على تقدير الموصوفية ، أي بيت من البيوت ، كذا قاله الفاضل الطيبي ، وفي شرح المفتاح للسيد في بحث الفصاحة ، أنه يجوز الفصل بين الصفة والموصوف ، وأن مجيء الحال عن النكرة العامة بالنفي ، ولا يحتاج إلى تقدير الصفة ، وقال ابن حجر : صفة لبيت ، ولم يفصل بينهما بأجنبي من كل وجه ; لأن أقفر عامل في بيت وصفته وفيما فصل بينهما ، هذا وفي النهاية أي ما خلا من الإدام ، ولا عدم أهله الإدام ، والقفار الطعام بلا إدام ، وأقفر الرجل إذا أكل الخبز وحده من القفر ، والقفار وهي الأرض الخالية التي لا ماء فيها .

قال الحنفي : وتوهم بعض الناس أنه بالفاء والقاف ، وليس برواية ودراية ، قلت : أما الدراية ففيه نظر ، إذ معناه على تقدير صحة الرواية ، ما احتاج ولا افتقر أهل بيت من أجل إدام ، ويكون في بيتهم خل ، وأما الرواية فقد وجدنا بخط الشيخ نور الدين محمد الأيجبي قدس الله سره ، أنه " أفقر " نسخة .

ثم في الحديث الحث على عدم النظر للخبز والخل بعين الاحتقار ، وأنه لا بأس بسؤال الطعام من لا يستحي السائل منه ، لصدق المحبة والعلم بمودة المسئول ، لذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية