الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

أهمية اللغة في البلاغ المبين

فإذا كان الحكم على الشيء فرع عن تصوره، كما يقول علماء المنطق، وقد نهى الإنسان عن اتباع أمر ليس عنده به سابق علم وتصور، فكيف للإنسان المسلم أن يعمل لدعوته ويتعامل مع مجتمعه والناس عامة، الذين هـم أمة الدعوة ومحل الخطاب كما يصطلح لهم بعض علمائنا، دون علم دقيق مسبق لواقعهم وعاداتهم وعقائدهم؟!

كيف يستطيع الإنسان المسلم أن يحقق هـدفه، ويؤدي وظيفته، ويقوم بدوره على هـذه الأرض دون أن يمتلك الوسائل الموصلة إلى الهدف؟! ولعل من أهم هـذه الوسائل: المعرفة بأحوال الأمم وعاداتها وعقائدها، ولا يتأتى هـذا إلا بمعرفة اللغات التي تشكل الأوعية الطبيعية لثقافتها، والنوافذ الحقيقية التي لا بد منها لتحقيق التصور الصحيح عنها، ومن ثم يكون التعامل السليم معها.

والقرآن الكريم قدم للمسلمين صورة واضحة عن واقع العادات والعبادات والعقائد التي كانت سائدة في إطار اليهود والنصارى والوثنيين في عصر التنزيل، ليتمكن المسلم من معرفتها، ومن ثم تحديد وسائله للتعامل معها، وهذا يشكل منهجا لا بد من التزامه في العمل الإسلامي والدعوة إلى الله، ورؤية قرآنية لا بد من تعديتها وحسن التعامل معها، وإلا كيف للإنسان المسلم أن يوصل خطاب التكليف إلى البشرية جمعاء، وهو على جهل بلسانهم يعقبه جهل بعاداتهم [ ص: 101 ] وعباداتهم وعقائدهم، والله تعالى يقول: ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) (إبراهيم: 4)

فإذا كان الدعاة ورثة الأنبياء، وإذا كانوا الخلف لمتابعة الطريق وحمل رسالة النبوة، فلا بد لكي تتحقق عملية البيان من معرفة اللسان، فهل يمكننا أن نعتبر أن من رسالة المسلم في هـذا العصر معرفة اللسان؟ وأن خطاب الآخرين وإيضاح الإسلام لهم لا يمكن أن يتم إلا بلسانهم، وهذا قانون إلهي.. ( بلسان قومه ليبين لهم ) (إبراهيم: 4) .

لذا كان لا بد من النظر إلى هـذه القضية بالجدية الكاملة، وإعادة النظر بصلاحية المواقع القديمة والأحكام القديمة التي قد يشفع لها أنها كانت ثمرة لظروف وأحوال تبدلت، وأهميات اهتزت، وأولويات تغيرت..

إن معرفة لسان الأقوام الآخرين، كنافذة على حياتهم، وكوسيلة للتعامل معهم، أصبح ضرورة تقتضيها ظروف الحال، خاصة وأن علوم ووسائل المدنية الحديثة تكاد أن تكون حكرا على هـذه اللغات الآن، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.. فتعلم اللغات يشكل ضرورة لخطاب القوم، ويشكل حاجة للتعرف على وسائل المدنية الحديثة التي غمرت حياتنا بخيرها وشرها، ولا بد من فهمها وحسن التعامل معها.

التالي السابق


الخدمات العلمية