الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

الرشد الإنساني

ولا شك عندنا أن الانتماء للإسلام والالتزام بالمنهج، والطاعة المبصرة، ضرورة لسلامة الطريق، ودليل الرشد الإنساني والحصانة الأكيدة ضد صور [ ص: 124 ] الإحباط والانكسار التي يمكن أن تلحق بالجيل نتيجة الانتماء للأشخاص، والعدول عن الانتماء للإسلام، وأن المطلوب إسلاميا الالتقاء مع الأشخاص على المنهج الصحيح والافتراق عليه ( .. ورجلان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك وافترقا عليه ) ؛ فالقيم الإسلامية ثابتة معصومة، والأشخاص أعراض زائلون، والأحياء لا تؤمن عليهم الفتنة، وإن ميزان الكرامة: التقوى والعمل الصالح، وإن الذي يهمنا ويشكل المخرج الصحيح من مأساتنا هـو: الحكم على العمل ومدى انطباقه على المنهج الإسلامي والقدرة على تمييز الخطأ والصواب، وإعطاء العلامة للأعمال وليس للأشخاص، والالتزام بالأدب الإسلامي عند وجود الخلاف..

فالأشخاص يقاسون بالمنهج الإسلامي والقيم الإسلامية، ولا يقاس الإسلام بهم مهما علا شأنهم، والذي يمثل محل الأسوة والقدوة بالنسبة للمسلم هـو المعصوم صلى الله عليه وسلم ..

وكل البشر يخطئ ويصيب، ويؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وهذا في نظرنا يشكل الضمانة الأكيدة لسلامة العمل واستمراره وسداده.. ذلك أن المشكلة في التصور الإسلامي الآن، كما يبدو أننا قد نصل في تقديس الأشخاص إلى العصمة عن الخطأ - إلى مرحلة الملائكة - فإذا تكشف لنا شيء من الخطأ - وهذا أمر طبيعي وكل ابن آدم خطاء - أنزلناهم فورا إلى مرحلة الشياطين.. لذلك يقتصر التعامل في نظرنا إما مع ملائكة لا تخطئ أو مع شياطين جبلت على الخطأ والخطيئة!! أما التعامل مع البشر الذي يخطئ ويصيب، والقدرة على إبصار الصواب والخطأ وإعطاء كل أمر علامته، وعدم بخس الناس أشياءهم، فهذا لا يزال غائبا عن حياة بعض مسلمي اليوم.. والله تعالى يقول: ( ويل للمطففين ) (المطففين: 1) وبعضنا يظن أن التطفيف إنما يكون في الميزان والكيل فقط..

إن القيم معصومة وثابتة، كما قدمنا، والأشخاص أعراض زائلون وبشر خطاءون، وقد تسقطهم أخطاؤهم، وقد يسقطهم أعداء الإسلام بوسائلهم الماكرة التي تتوجه أول ما تتوجه للدعاة لتحطيمهم، وذلك بإساءة سمعتهم، وقد تستطيع احتواء بعضهم وتوظيفه لسبب أو لآخر من رغبة أو رهبة، وقد يسقطون من تلقاء أنفسهم لأن القلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولا سبيل [ ص: 125 ] إلى الحصانة ضد صور الانكسار والإحباط والتمزق إلا الالتزام بالقيم، والاعتصام بالكتاب والسنة، فهو الطريق الذي يبعث الأمل، ويدفع إلى العمل، ويقضي على اليأس والقنوط.

إن الالتقاء مع الأفراد والجماعات والمؤسسات والحكومات وسيلة وليس غاية بحد ذاته، الغاية تبقى دائما: إرضاء الله ولا يجوز بحال من الأحول أن تنقلب الوسائل غايات أو تتلبس الوسائل بالغايات.. فيصبح شعارنا: خطأ الشيخ خير من صواب المريد!! كما قدمنا، وتسود مناخنا الثقافي الإسلامي مفهومات مغلوطة.. وتتوقف عملية المناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي صانت الرسالة الإسلامية والأمة الإسلامية في تاريخها الطويل من الانحراف، وحملتها على الولاء للمنهج وعدم التحريف والشذوذ الجماعي والعثرات المردية على طريقها الطويل، وحفظت القادة والزعماء والدعاة والمفكرين والعلماء من الافتتان بالرأي، والإعجاب بالنفس، والانزلاق بالخطأ، كما حفظت الأمة أن تقع فريسة لشذوذ أو تطرف أو غلو أو تعثر أو تمزق.

التالي السابق


الخدمات العلمية