الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

وجود الرأي وفقدان الموقف

وفي اعتقادنا أن من المشكلات المهمة التي يعاني منها العمل الإسلامي اليوم: مشكلة وجود الرأي وفقدان الموقف، فالكثير الكثير من دعاة الإسلام اليوم يتمتعون بآراء على غاية الأهمية والسداد، لكنها الآراء التي تفتقد إلى المواقف الضرورية لمسيرة العمل الإسلامي، فهل نوبخ آراءنا بمواقفنا؟! ذلك أن العجز عن الالتزام بمصلحة الجماهير المسلمة وحسن قيادة حركتها وفق المبادئ الإسلامية يخشى أن يذهب بحصيلتنا كلها..

إن التوقف عند مرحلة الآراء والمبادئ وتركها معلقة على المنابر، أو حبيسة الكتب دون تنزيلها إلى واقع المسلمين يحمل من الخطورة الكثير إلى درجة قد نساهم معها بإجهاض هـذه المبادئ وحرقها على أيدينا إذا عجزنا عن تمثلها، وبذلك لا نختلف عن غيرنا في نظام حياتنا ووسائل كسبنا وطرق إنفاقنا..

إن العجز عن ترجمة المبادئ والآراء إلى برامج ومواقف، وعدم القدرة على ربط الأسباب بالنتائج، وعدم القدرة أيضا على دراسة الاحتمالات، وغياب الحسابات الدقيقة والأمينة هـو أزمة العمل الإسلامي اليوم أو أزمة القيادات الإسلامية بشكل عام، ذلك أن عدم القدرة على ترجمة المبادئ والآراء إلى برامج ومواقف وربط الأسباب بالنتائج ودراسة الاحتمالات والحسابات الدقيقة يعني من وجه آخر الحكم على هـذه المبادئ أنها أقرب في طبيعتها إلى المثالية البعيدة عن متناول البشر، والخيالية الفلسفية التي قد ترضي العقل وتذكي العاطفة لكنها لا ترشد السلوك وتنظم الحياة، وبذلك يدخل علينا أعداء الإسلام من النافذة من جديد بعد أن طردناهم من الباب بحجة أن الإسلام مثالي لا يمكن تطبيقه في مجتمعات اليوم، وأنه كان يصلح لفترة معينة ولجيل بذاته، أما الآن فأين هـذا من واقع الأمة الذي يقتضي مبادئ من نوع آخر تمتلك القابلية للتطبيق.. ومن هـنا ندرك أهمية تربية الجيل الأول وكيف أن الصحابي كان لا يتعلم الآية ما لم يعمل بالتي سبقتها..

قد يكون صحيحا إلى حد بعيد أن الهجمة الشرسة واستمرارية المدافعة وتعدد آفاقها فوت الكثير من الفرص التي كان بالإمكان الإفادة منها في مجال ترجمة [ ص: 57 ] المبادئ إلى برامج، لكن يبقى الإلقاء بالتبعة كلها على غيرنا يعني في جملة ما يعني أننا دون سوية المعركة، ودون سوية التعامل معها، وذلك بعدم القدرة على امتلاك زمام المبادهة فيها واستنفاد الجهد كله بالمواقع الدفاعية والتحرك في إطار الفكر الدفاعي..

ومع اعترافنا بأنه لا بد من الاستمرار في الدفاع عن المواقع الإسلامية المهددة، والاستمرار في تحرير الأفكار الإسلامية المستهدفة لاستمرار الهجوم، يقول تعالى: ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) (البقرة: 217) .

لكن هـل المفروض على عالم المسلمين أن تبقى المعركة دائرة على أرضهم، ويستمر الإسلام في معركة الدفاع عن النفس إلى ما لا نهاية، وكلما رددنا تهمة ودحرنا شبهة ألقى إلينا أعداء الإسلام بأخرى لنتوجه صوبها دون إمهال، أم أن (استراتيجية) المعركة بين الإسلام وخصومه تقضي بنقلها إلى أرض العدو، فيكون خير وسيلة للدفاع الهجوم، ونقل الإسلام من موضع الاتهام إلى موقع التحدي للمبادئ والأفكار التي عجزت عن حل قضية الإنسان؟!

التالي السابق


الخدمات العلمية