الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

يهود وراء تحزيب الأحزاب

المعلوم من أخبار هـذه الغزوة أنها على بعض الروايات كانت في ذي القعدة ولكن معظم الروايات تعتمد زمن حدوثها شهر شوال، وقد امتد الحصار فيها شهرا تقريبا، فقد تكون ابتدأت في شهر شوال ولما تنتهي إلا في ذي القعدة.. من السنة الخامسة للهجرة، وذلك أن يهود بني النضير خرجوا حتى قدموا قريشا في مكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا سنكون معكم حتى نستأصله.

فقالت لهم قريش - التي جربت الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر وأحد واكتوت بنارهاـ: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ، أفديننا خير أم دينه؟! قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه.. وشهدوا لقريش أن أصنامها أولى بالاتباع من إله محمد صلى الله عليه وسلم ، فهم الذين أنزل الله فيهم: ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هـؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) (النساء: 51) .

فسر ذلك قريشا، ونشطوا لما دعوهم إليه، واجتمعوا لذلك واتعدوا له، ثم خرج يهود حتى جاءوا غطفان ، وهكذا طافوا على بقية القبائل عارضين عليها مشروع غزو المدينة المنورة وموافقة قريش على ذلك.

وهذه ليست حادثة تاريخية عابرة، خاصة في هـذا العصر بعد أن أصبحت الشعوب تحاكم إلى تاريخها، ولم يعد سرا أن يهود كانوا ولا يزالون وراء تحزيب الأحزاب في معظم المراحل، ابتداء من الحملات الصليبية على عالم المسلمين ذلك أن اليهود ركبوا الحصان الأوروبي بشكل مبكر حيث استقرت هـجراتهم في أوروبا تاريخيا، ووجهوه الوجهة التي يريدون.. فكانت الحروب الصليبية وكان الاستعمار، ويركبون وليده الأمريكي الآن والنتائج ماثلة للعيان..

كما أنه لم يعد سرا أنهم كانوا وراء تقويض الخلافة الإسلامية، وصناعة الأحزاب ذات الدعوات الإقليمية وتقديم البدائل الفكرية عن الإسلام بعد مرحلة سقوط الخلافة.. والشهادة لهذه البدائل أنها أهدى من الإسلام سبيلا؛ كما أنهم وراء تحزيب بعض الكتاب الذين انتهوا إلى مناخ الثقافة اليهودية [ ص: 73 ] التلمودية، ولا هـم لهم إلا الانتقاص من الإسلام والمسلمين، وتسقط العورات وتتبعها والتخصص فيها، والقدرة العجيبة على البجاحة في الكلام عن الحرية والديمقراطية ، وهم من سدنة الظلم والظالمين، في الوقت الذي يدفع المسلمون دماءهم في أكثر من موقع دفاعا عن الإنسان وانتقاص حقوق الإنسان، لكنه العوار العقلي!!.

لقد تم التحالف الوثني اليهودي القبلي ضد المسلمين، كانت يهود وقريش وغطفان من أهم أعضائه، واتفقوا على شروط، من أهمها: أن تشارك غطفان بستة آلاف مقاتل، وأن يدفع اليهود لها كل ثمار خيبر لسنة واحدة؛ وحشدت قريش أربعة آلاف مقاتل فكانوا عشرة آلاف.. إن هـذا التحالف لم يتوقف لحظة واحدة في تاريخ المسلمين الطويل وإن تغيرت أسماؤه وتبدلت وسائله.. والمال اليهودي يمده على أكثر من مستوى..

إن المال اليهودي الذي اشترى غطفان وحركها صوب المدينة هـو الذي امتد إلى السلطان عبد الحميد ، فلما أبى ذلك تقدم المال اليهودي لشراء رجال جمعية الاتحاد والترقي، الذين كانوا الجسر الحقيقي لوصول يهود إلى فلسطين، وإن التحالف الوثني الصليبي اليهودي الجديد هـو الذي تقاسم مناطق النفوذ، واقتسم تركة الرجل المريض، وفرق عالم المسلمين، وأسكن يهود في فلسطين، لقد أسقط الحلفاء في الحرب العالمية كل وعودهم للعرب، والتزموا بكل وعودهم ليهود، ولا يزال العالم الإسلامي يعاني من مسألة (الشرق الأوسط) أو (المسألة الشرقية) .. ولا يزال يعاني من لعبة الوفاق الدولي في فلسطين وإريتريا وأوغادين وكشمير وأفغانستان ولبنان وغيرها.. ويراد للمسلمين أن يكونوا في ذلك أدوات، توظف دماؤهم في عملية الوفاق الدولي، ولا يسمح لحركاتهم الجهادية أن تتجاوز المدى المرسوم لها مسبقا والحجم المقرر لها سلفا.

التالي السابق


الخدمات العلمية