الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

تأملات في مسيرة العمل الإسلامي (2)

" لا خير فيهم إن لم يقولوها.. ولا خير فينا إن لم نسمعها " [عمر بن الخطاب] رضي الله عنه

نرى أنه لا بد من أن نقرر ابتداء أن عمليات النقد والمناصحة والتقويم والمراجعة، ووسائل العاملين في حقل الدعوة الإسلامية - بهدف التصويب - ليست بالأمر الجديد أو المبتدع في المجتمع الإسلامي.

المنهج القرآني.. في التصويب والتسديد

إن المنهج القرآني والتدريب النبوي بلغ في ذلك المدى الذي لم يدع مجالا لشك أو التباس أو غموض، حتى إن عمليات التصويب والتسديد تناولت الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم في بعض ما اجتهد فيه، فقال تعالى:

( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق [ ص: 42 ] لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) (الأنفال:67-68) وقال: ( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) (التوبة: 43) .

وعندما رأى صلى الله عليه وسلم عدم استقبال عبد الله بن أم مكتوم ، وتولى عنه ليستقبل كبراء قريش، اجتهادا منه بأن في ذلك مصلحة الإسلام والمسلمين، نزل قوله تعالى:

( عبس وتولى * أن جاءه الأعمى ) ..... ( وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى * كلا إنها تذكرة ) (عبس، من الآيات: 1-11) .

كما أن القرآن الكريم عرض لكثير من الغزوات والأعمال عندما كان يربي الجيل الأول على الإسلام؛ ليكون (الجيل القدوة) ، وعرض كثيرا من جوانب الخطأ والتقصير على المستوى الفردي والجماعي؛ حتى وصل في أعقاب بعض المواقف إلى القول: ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) (آل عمران: 152) .

ففي غزوة بدر الكبرى جاء قوله تعالى: ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون * يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) (الأنفال: 5-6)

وفي غزوة أحد جاء قوله تعالى: ( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين * إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم ) (آل عمران: 152 - 153) .

وفي غزوة تبوك جاء قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في [ ص: 43 ] الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما. ) (التوبة: 38 - 39) .

وفي غزوة حنين جاء قوله تعالى:

( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ) (التوبة: 25) .

ولسنا الآن بسبيل استقصاء هـذا، وتكفي نظرة اطلاعية وليست استقصائية لكثير من أسباب النزول، وكثير من أخبار السير والمغازي لتؤكد أن حراسة القضية الإسلامية، وبناء قاعدة المجتمع الإسلامي الصلبة، وتربيتها على الإسلام الصحيح إنما كانت بالتسديد الدائم والتبصير بالأخطاء ليتم استدراكها فتصوب المسيرة..

إنه المنهج القرآني والآيات القرآنية الخالدة تتلى على الأجيال، جهارا نهارا، لتبصر منهج حركتها، وتتجنب الخطأ في مسيرتها، وتلتزم المناصحة لا تحيد ولا تنصرف عنها لأي سبب أو توهم، وقد مارسها جيل القدوة على أعلى المستويات وأدناها، فالدين النصيحة في الإسلام وهي لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم..

التالي السابق


الخدمات العلمية