الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        ثانيا: محاولات الاستنهاض الحضاري (النقد المزدوج):

        بعد أن أفاض بن نبي في تشخيص ظاهرة (إنسان ما بعد الموحدين )، ولفت الأنظار إلى خصائص إنسان الانحطاط، والتنبيه إلى أن الوصول إلى إنسان (التحضر) مشروط بتفكيك عوامل التخلف، وإعادة بعث قيم الحضارة من جديد، التفت للحديث عن المحاولات التي عرفها العالم الإسلامي كجهود استهدفت استنهاض الضمير المسلم، كي يستأنف دوره من جديد في التاريخ، فقام بتحليل الدعوات التجديدية والإصلاحية، منذ بواكير ما اصطلح على تسميته بعصر النهضة.

        وهي دعوات أنتجت تيارين "تيار الإصلاح الذي ارتبط بضمير المسلم، وتيار التجديد وهو أقل عمقا وأكثر سطحية، وهو يمثل مطامح طائفة اجتماعية جديدة تخرجت في المدرسة الغربية" (ص48).

        وهذان التياران هما اللذان لا يزالان يقسمان نخب العالم الإسلامي، من خلال امتداداتهما المعاصرة.

        حيث يبرز التيار الإسلامي كامتداد للتيار الإصلاحي، وهو الذي يضم تشكيلات مختلفة، تصنف نفسها تحت اسم الحركات الإسلامية، ويصنفها خصومها تحت أسماء الحركات الأصولية أو الإسلام السياسي.

        ويبرز التيار الحداثي كامتداد للتيار التجديدي، وهو الذي يضم تشكيلات مختلفة تصنف نفسها تحت اسم التيارات الحداثية ويصنفها خصومها تحت أسماء التيارات التغريبية والعلمانية. [ ص: 119 ]

        وبن نبي - وهو يكتب عن وجهة العالم الإسلامي في منتصف القرن العشرين - أكد على أنه من المجدي للتخلص من عوامل الانحطاط، أن نقوم بعملية نقدية للدعوات الإصلاحية، بدل أن ينعزل كل تيار خلف شعاراته ويوجه جهده لنفي الآخر وإقصائه.

        فالحقيقة لا يمكن أن تكون مطلقة لدي أي من التيارين، بل لكل منهما إيجابياته وسلبياته، ولا فائدة على الإطـلاق من ادعاء ملائكية الذات ولاشيطانية الآخر،كما هو الحال في السجال الدائر منذ عقود بين ممثلي التيار الإسلامي وممثلي التيار الحداثي، فهذه المعارك الجدالية، لا تكون نتيجتـها إلا تعميـق عـوامل التخلف، وإهـدار الجهـود والأوقات فيما لا طائل من ورائه.

        ومن هنا وجدنا بن نبي، يقدم للباحثين درسا منهجيا رائدا في كيفية التقييم الموضوعي لأطراف المشكلة، فالواقع لا تغيره الأمنيات ولا النوايا الطيبة فحسب، وإنما يجب أن نستصحب مع الأمنية الجميلة والنية الطيبة نظرة عقلانية وتحليلا موضوعيا لطبيعة المشكلة وصورة الحلول المقترحة؛ وحتى لا يتحول الساعون إلى الحل إلى طرف في الأزمة، وجب إخضاع تجربتهم هم أيضا للنقد والتقويم.

        هذا ما نلمسه في تعامل بن نبي مع من رفعوا شعارات الإصلاح، فهو - وإن عد فكريا من التيار الإسلامي - إلا أنه لم يمارس تحزبه على المستوى المنهجي، فلم يتذرع بالانتماء الإيديولوجي، لنفي (الآخر) المخالف له فكريا [ ص: 120 ] أو أيديولـوجيا، بل أعطاه الحق في الوجود ابتداء وعدد ما له وما عليه، كما أن انتماءه أيضا لم يعفه من مسؤولية التعرض بالنقد والتشريح لواقع التيار الإسلامي، فعدد نجاحاته وإخفاقاته.

        ويمكن أن نستبين هذه المسألة من خلال التفصيل التالي:

        التالي السابق


        الخدمات العلمية