الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        الورقة الثانية

        الديمقراطية عند مالك بن نبي

        من الاستنساخ الآلي إلى تحقيق الشروط الموضوعية

        مدخل:

        إن من أبرز ما لحق الحياة العربية والإسلامية منذ ما اصطلح على تسميته بعصر النهضة، هو فشل معظم التجارب التنموية، سواء كان ذلك في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي .. هذا إذا جوزنا الفصل بين هذه المجالات في الواقع.

        ولعل من أهم أسباب ذلك الفشل، هو طريقة تعامل (العقل العربي والإسلامي) مع مشاريع التنمية، حيث اكتفى بمجرد النقل الآلي لما اكتشفه عند (الآخر)... ذلك (الآخر) الذي مثل بقوته وغلبته قمة الإدهاش والإبهار للعقل المسلم الذي كان يعيش مرحلة ما بعد سقوط حضارته، فما كان منه في غمرة الانبهار إلا أن يقبل على ما عند (الآخر) إقبال الفراش على مصدر النور، دون تفكير في خطـر الاحتراق! [ ص: 49 ]

        فانصب جهد النخب، التي غشيت عيونها أفكار فلاسفة التنوير، على نقل الأفكار والمذاهب والنظريات، ومحاولة إعادة استنباتها في تربة العالم الإسلامي، متناسين كلية الخصوصيات الفاصلة بين واقع (الحلول) وواقع (المشكلات)، فكانت النتيجة الفشل وإهدار الجهود والأوقات والأموال، ومزيدا من الانقسام بين من يرى النهضة في التحصن بالذات وبين من يراها في التماهي مع (الآخر).

        والديمقراطية، كمصطلح غربي، كان لها نصيب من هذا الصراع، فمن رافض لها واصفا إياها بالكفر، إلى متحمس لها مؤملا فيها كل الأمل... والمتأمل في حديث الرافضين وكلام المتحمسين، يلمس غياب التحليل ويجد التسرع في إلقاء الأحكام، وهذه من أعضل مشكلاتنا، ذلك أننا ما زلنا نحتقر (التنظير) ونرفض (فعل التفلسف)، ونحب أن نكتفي من الظواهر والأفكار بالسطح والقشور، وكأننا بذلك نرضي طفولتنا الفكرية التي تنفر من التجريد، بل ونتشبث بإدامتها، لأنها - في النهاية - تعفينا من إعمال العقل والربط بين المقدمات والنتائج ربطا منطقيا.

        ونحن في هذا المقام سنقارب نصا لمالك بن نبي، رحمه الله، حلل من خلاله مفهوم الديمقراطية وعلاقتها بالإسلام، متوسلا في ذلك - كعادته - بالمنهجية العلمية والروح النقدية المتجاوزة للتعميمات والخطابات السجالية التي تنسي الحماسة أصحابها البحث عن الشروط الموضوعية لتحقيق أهدافهم ومشاريعهم!! [ ص: 50 ]

        والنص الذي سنقاربه، عبارة عن محاضرة بعنوان (الديمقراطية في الإسلام) ألقاها بن نبي بنادي الطلبة بدمشق سنة 1960م، وقد نشرت في كتابيه (القضايا الكبرى) و (تأملات).

        وقبل أن نتطرق إلى المحاور التي دارت حولها أفكار بن نبي في هذه المحاضرة عن الديمقراطية في الإسلام، نشير إلى أن للتاريخ الذي ألقيت فيه المحاضرة دلالة لايمكن أن نتجاوزها دون التنبيه إليها، ذلك أن سنة 1960م لم تكن الجزائر قد استقلت بعد، ومع ذلك يطرح بن نبي في هذه المحاضرة أفكارا تكشف مواطن الخلل في تصورات التيارات التي ستقسم الساحة السياسية في جزائر الاستقلال، وبعد مضي أكثر من أربعة عقود على بناء (الدولة الوطنية)!!

        هذه الملاحظة تجعلنا نطرح السؤال حول العلاقة الهشة بين النخب الحاكمة في (الدولة الوطنية) وبين مفكر مستنير مثل مالك بن نبي، وعن مآل الأوضاع لو أن القيادة السياسية أعطت نفسها فرصة للاستماع للطرف المخالف... فهل كنا سندفع ثمن (التحول الديمقراطي) دماء وأشلاء ومزيدا من التآكل في النسيج الاجتماعي؟

        ولنعد الآن إلى النص الذي نرى مقاربته من خلال النقاط التالية: [ ص: 51 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية