الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6017 ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير ، قال: ثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر ، عن عامر الشعبي ، عن خارجة بن الصلت ، عن عمه أنه قال: " أقبلنا من عند رسول الله -عليه السلام- فأتينا على حي من أحياء العرب، فقالوا: إنكم جئتم من عند هذا الحبر بخير، فهل عندكم دواء أو رقية ، فإن عندنا معتوها في القيود؟ فقلنا: نعم، فجاءوا به، فجعلت أقرأ عليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية، أجمع بزاقي ثم أتفل، فكأنما نشط من عقال، ، فأعطوني جعلا، فقلت: لا، حتى أسأل رسول الله -عليه السلام-، فسألته فقال: كل، فلعمري لمن أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق".

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده جيد حسن، وعبد الله بن أبي السفر -بفتح السين المهملة والفاء- واسمه سعيد بن يحمد الثوري الكوفي، روى له الجماعة.

                                                وخارجة بن الصلت بن صحار التميمي، وثقه ابن حبان .

                                                وعمه علاقة بن صحار السليطي الصحابي.

                                                [ ص: 355 ] وأخرجه أبو داود في البيوع في باب "كسب المعالجين من الطب": ثنا عبد الله بن معاذ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر ، عن الشعبي ، عن خارجة بن الصلت ، عن عمه: "أنه مر بقوم فأتوه، فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير، فارق لنا هذا الرجل، فأتوه برجل معتوه في القيود، فرقاه بأم الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية، كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل، فكأنما نشط من عقال، فأعطوه شيئا، فأتى النبي -عليه السلام- فذكر له، فقال رسول الله -عليه السلام-: كل، فلعمري لمن أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق".

                                                وأخرجه أيضا في الطب في باب "كيف الرقى": حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: نا شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر ، عن الشعبي ، عن جابر بن الصلت التميمي ، عن عمه قال: "أقبلنا من عند رسول الله -عليه السلام- فأتينا على حي من العرب، فقالوا: إنا أنبئنا أنكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير، فهل عندكم من دواء أو رقية، فإن عندنا معتوها في القيود؟ قال: فقلنا: نعم، قال: فجاءوا بالمعتوه في القيود، فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية، أجمع بزاقي ثم أتفل، قال: فكأنما نشط من عقال، فأعطوني جعلا، فقلت: لا، حتى أسأل رسول الله -عليه السلام-، فقال: كل، فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق".

                                                وقال أبو داود أيضا: ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى بن زكرياء، قال: حدثني عامر ، عن خارجة بن يزيد بن الصلت التميمي ، عن عمه: "أنه أتى رسول الله -عليه السلام- فأسلم، ثم أقبل راجعا من عنده، فمر على قوم عندهم مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير، فهل عندكم شيء نداويه به؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ، فأعطوني مائة شاة، فأتيت رسول الله -عليه السلام- فأخبرته، [ ص: 356 ] فقال: هل إلا هذا؟ -وقال مسدد في موضع آخر: هل قلت غير هذا؟ - قلت: لا، قال: خذها، فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق".

                                                وأخرجه النسائي في "اليوم والليلة": عن عمرو بن علي ، عن غندر ، عن شعبة ... إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "على حي"، وهي الجماعة النازلون على موضع.

                                                قوله: "من عند هذا الحبر" بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة، أي العالم، وفي رواية أبي داود: "من عند هذا الرجل".

                                                قوله: "أو رقية" بضم الراء، وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة، كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات.

                                                قوله: "معتوها" المعتوه: المجنون المصاب بغفلة، وقد عته فهو معتوه، وفي الحديث: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي، والنائم، والمعتوه".

                                                قوله: "ثم أتفل" من تفل يتفل ويتفل من باب ضرب يضرب ونصر ينصر، وهو بالتاء المثناة من فوق، من التفل وهو البزق، وهو أقل من البزق، أوله البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ، قال الجوهري: ومنه تفل الراقي.

                                                قوله: "فكأنما نشط من عقال" قال ابن الأثير: وكثير ما يجيء في الرواية كأنما نشط من عقال، وليس بصحيح، والصحيح كأنما أنشط أي حل من عقال، يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها، وأنشطتها وانتشطتها: إذا حللتها، و"العقال" بكسر العين وهو الحبل الذي يعقل به البعير، أي: يربط ويقيد.

                                                قوله: "جعلا" بضم الجيم وسكون العين، وهو الأجرة على الشيء فعلا أو قولا، وكذلك الجعالة.

                                                [ ص: 357 ] قوله: "فقال: كل" أي كل الجعل الذي أعطيته.

                                                قوله: "فلعمري" قسم، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والمعنى: لعمري قسمي، يعني أحلف ببقائي ودوامي، وأحلف بحياتي و"اللام" فيه للتأكيد، والعين فيه مفتوحة.

                                                قوله: "لقد أكلت برقية حق" جواب القسم.

                                                وقوله: "لمن أكل برقية باطل" جملة معترضة بين القسم وجوابه، كذا قيل، والصواب أن جواب القسم هو قوله: "لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق" فالجميع هو جواب القسم.

                                                وقوله: "من أكل" كلمة "من" فيه تتضمن معنى الشرط، وجوابه قوله: "لقد أكلت برقية حق" كما جاء في حديث آخر: "من أخذ برقية باطل، فقد أخذت برقية حق".

                                                ويستنبط منه أحكام: جواز أخذ الأجرة على القرآن، وهو مسألة الباب كما يجيء تفصيلا إن شاء الله تعالى، وإباحة الرقية بذكر الله وأسمائه.

                                                فإن قلت: ثبت في "الصحيح": "لا يسترقون ولا يكتوون".

                                                قلت: ورد أيضا: "استرقوا لها؛ فإن بها النظرة" أي اطلبوا لها من يرقيها، ووجه الجمع بينهما: أن الرقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة، وأن يعتقد أن الرقية نافعة لا محالة فيتكل عليها، وإياها أراد بقوله: "ما توكل من استرقى"، ولا يكره منها ما كان في خلاف ذلك كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله تعالى، والرقى المروية.

                                                [ ص: 358 ] وفيه إباحة الطب والعلاج؛ وذلك أن الرقية والقراءة والتفل فعل من الأفعال المباحة، وقد أباح له أخذ الأجرة عليها، فكذلك ما يفعله الطبيب من قول ووصف فعل لا فرق بينهما.

                                                وفيه فضيلة فاتحة الكتاب، وجواز الرقية بها، وجواز الحلف على تأكيد القول والفعل، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية