الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7372 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فلما اختلفوا في ذلك، وجب النظر لنستخرج من هذه الأقوال الثلاثة قولا صحيحا، فنظرنا في ذلك فرأيناهم جميعا قد جعلوا العشرين والمائة نهاية لما وجب فيما زاد على التسعين، وقد رأينا ما جعل نهاية فيما قبل ذلك إذا زادت الإبل عليه شيئا وجب بزيادتها فرض غير الفرض الأول، من ذلك أنا وجدناهم جعلوا في خمس من الإبل شاة، ثم بينوا لنا أن الحكم كذلك فيما زاد على الخمس إلى التسع، فإذا زادت واحدة أوجبوا بها حكما مستقلا، فجعلوا فيها شاتين ، ثم بينوا لنا أن الحكم كذلك فيما زاد إلى أربع عشرة، فإذا زادت واحدة أوجبوا بها حكما مستقلا؛ فجعلوا فيها ثلاث شياه، ثم بينوا لنا أن الحكم كذلك فيما زاد إلى العشرين؛ فإذا كانت عشرين ففيها أربع [ ص: 565 ] شياه، ثم أجروا الفرض كذلك إلى عشرين ومائة، كلما أوجبوا شيئا بينوا أنه الواجب فيما أوجبوه فيه إلى نهاية معلومة، فكلما زاد على تلك النهاية شيء انتقض به الفرض الأول إلى غيره أو إلى زيادة عليه، فلما كان ذلك وكانت العشرون والمائة قد جعلوها نهاية لما أوجبوه في الزيادة على التسعين، ثبت أن ما زاد على العشرين يجب به شيء إما زيادة على الفرض الأول وإما غير ذلك، فثبت بما ذكرنا فساد قول أهل المقالة الأولى، وثبت تغير الحكم بالزيادة على العشرين والمائة، ثم نظرنا بين أهل المقالة الثانية والمقالة الثالثة فوجدنا الذين يذهبون إلى المقالة الثانية يوجبون بزيادة البعير الواحد على العشرين والمائة رد حكم جميع الإبل إلى ما يجب فيه بنات اللبون في قولهم، وهو ما ذكرنا عنهم أن في كل أربعين ابنة لبون، فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الثالثة: أنا رأينا جميع ما يزيد على النهايات المسماة في فرائض الإبل فيما دون العشرين والمائة يتغير بتلك الزيادة الحكم وأن لتلك الزيادة حصة فيما وجب بها، من ذلك: أن في أربع وعشرين أربعا من الغنم، فإذا زادت واحدة كانت فيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون، فكانت ابنة المخاض واجبة في الخمس والعشرين لا في بعضها، وكذلك ابنة اللبون واجبة في الستة والثلاثين كلها لا في بعضها، وكذلك سائر الفرض في الإبل حتى يتناهى إلى عشرين ومائة، لا ينتقل الفرض بزيادة لا شيء فيها بل ينتقل بزيادة فيها شيء، ألا ترى أن في عشر من الإبل شاتين، فإذا زادت بعيرا فلا شيء فيه، ولا يتغير بزيادته حكم العشر التي كانت قبله، فإذا كانت الإبل خمس عشرة كانت فيها ثلاث شياه، فكانت الفريضة واجبة في البعير الذي كمل به ما يجب فيه ثلاث شياه، وفيما قبله، فلما كان ما ذكرنا كذلك وكانت الإبل إذا زادت بعيرا واحدا على عشرين ومائة بعير فكل قد أجمع أنه لا شيء في هذا البعير؛ لأن الذين أوجبوا استئناف الفروض لم يوجبوا فيها شيئا ولم يغيروا به حكما، والذين لم يوجبوا استئناف الفريضة من أهل المقالة الثانية جعلوا في كل أربعين [ ص: 566 ] من العشرين والمائة ابنة لبون، ولم يجعلوا في البعير الزائد على ذلك شيئا، فلما ثبت أن الفرض فيما قبل العشرين والمائة لا ينتقل إلا بما يجب فيه جزء من الفرض الواجب به، وكان البعير الزائد على العشرين والمائة لا يجب فيه شيء من فرض، ثبت أنه غير مغير فرض غيرها عما كان عليه قبل حدوثه؛ فثبت بما ذكرنا قول من ذهب إلى المقالة الثالثة، وممن ذهب إليها أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فلما اختلف أصحاب المقالات الثلاثة في الحكم المذكور؛ وجب النظر فيه ليستخرج من الأقوال الثلاثة قول يعول عليه، ويرجع إليه.

                                                قوله: "فرأيناهم" أي أصحاب المقالات الثلاثة، والباقي كله ظاهر.

                                                والتحقيق في هذا، أن هذا باب لا يجري فيه قياس ولا يعرف فيه بالاجتهاد والترجيح في مثل هذا بين الأقوال، يكون بقوة الأثر، ولما كان وجوب الحقتين في المائة والعشرين ثابتا باتفاق الأخبار وإجماع الأمة لا يجوز إسقاطه إلا بمثله، وبعد المائة والعشرين اختلفت الآثار، فلا يجوز إسقاط ذلك الواجب عند اختلاف الأقاويل بالعمل بحديث عمرو بن حزم، على أنا قد عملنا بما استدل به الخصم لأنا أوجبنا في الأربعين بنت لبون، فإن الواجب في الأربعين ما هو الواجب في ست وثلاثين، وكذلك أوجبنا في خمسين حقة وحديث الخصم لا يتعرض لنفي الواجب عما دونه، وإنما عمل الخصم بمفهوم النص، فنحن عملنا بالنصين، وهو أعرض عن العمل بما ذهبنا إليه.




                                                الخدمات العلمية