الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله: "كل محدث يصدق عليه كونه قابلا للوجود والعدم، وكذلك كون الشيء منقسما إلى المحايث والمباين إلى آخره، يقال له: هذا غلط من وجوه:

أحدها: أن المحدث الذي تجوز رؤيته هو الموجود دون المعدوم، فإن المعدوم لا يجوز رؤيته ولا يجوز تعليل رؤية الوجود المنقسم إلى محايث ومباين بأنه محدث منقسم إلى موجود ومعدوم، فإن المحدث الذي يدخل فيه المعدوم لا يرى [ ص: 364 ] بحال، فهو أعم مما يرى، والعلة لا تكون أعم من المعلول. وأيضا فالمحدث الذي يصدق عليه أنه قابل للوجود والعدم، إنما هو الحقيقة الذهنية التي لا وجود لها في الخارج، فهي تقل أن تكون موجودة، وأن تكون معدومة، وأما الوجود فلا يقبل ذلك.

الثاني: أنه ليس قبول الحقيقة لأن تكون موجودة ومعدومة، مثل قبولها لأن تكون محايثة لغيرها أو مباينة له، لأن ذلك القبول لا يقوم بشيء موجود بل هو حكم ذهني، وأما هذا الثاني فهو صفة لأمر موجود، فإن المحايثة والمباينة صفة لأمر موجود، وليس كل واحد من الوجود والعدم صفة لموجود.

الثالث: أن الشيء الذي يقبل الوجود والعدم هو شيء بعينه يقبل الوجود تارة والعدم تارة، ليس المحدث ينقسم إلى موجود ومعدوم، وأما المحايثة والمباينة فليستا صفتين متعاقبتين على حقيقة واحدة، بل الحقيقة الموجودة المطلقة تنقسم إلى محايث ليس موصوفا بالمباينة، وإلى مباين ليس موصوفا بالمحايثة فليس هذا نظير ذلك.

الرابع: أنا قد بينا أن الحكم الواحد هو لزوم أحدهما للوجود، وهذا حكم واحد وجودي، ولا يقال: إن أحد الأمرين [ ص: 365 ] من الوجود والعدم يلزم المحدث، بل المحدث بعد حدوثه لا يكون إلا موجودا، وقبل وجوده لم يكن إلا معدوما. وإن أريد به الحقيقة أنه يلزمها أحد الأمرين: فيقال: هو يلزمها إما الوجود وإما العدم، ولزوم أحد الأمرين: واحد وجود، والثاني عدم، لا يكون وجوديا بخلاف لزوم أحد أمرين وجوديين: المباينة والمحايثة. فإن لزوم أحد هذين يكون وجوديا.

الخامس: أن الصواب المتفق عليه بين أهل السنة وعقلاء الخلق: أن العدم ليس بشيء في الخارج، وإنما كان له وجود في العلم. وإذا كان كذلك فالمحدث تارة يكون شيئا وتارة لا يكون شيئا، فلا يكون كونه شيئا وكونه ليس بشيء، علة لكونه محايثا أو مباينا، فإن هذين يختصان بما هو شيء، وما هو شيء لا يكون علة ما يستلزم في أحد حاليه أن لا يكون شيئا، أو لا يكون علة انقسام حالية إلى أن يكون شيئا تارة وغير شيء أخرى.

وأما ما أورده على قوله: " إن الجهل بالعلة يوجب الجهل بالمعلول"- من معارضة- ذلك بأن يقال:" العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول".

فيقال عنه جوابان:

أحدهما: القول بموجب ذلك، فإن كل ذي فطرة سليمة لم يتقلد مذهبا يصده ويغير فطرته إذا علم أن الشيء موجود علم أنه إما أن يكون محايثا لغيره، وإما أن يكون مباينا له، كما يعلمون [ ص: 366 ] أن القائم بنفسه لا يكون إلا داخل العالم أو خارجه. وإذا قيل له: موجود ولا داخل العالم ولا خارجه، أو قيل له: شيئان موجودان ليس أحدهما مباينا للآخر، ولا هو بحيث هو، وفهم ذلك: أنكرته فطرته.

التالي السابق


الخدمات العلمية