الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو ) منعه سد محل الفصد أو دخن عليه فمات أو ( حبسه ) كأن أغلق بابا عليه ( ومنعه الطعام والشراب ) أو أحدهما ( والطلب ) لذلك أو عراه ( حتى مات ) جوعا أو عطشا أو بردا ( فإن مضت مدة ) من ابتداء منعه أو إعرائه ( يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا ) أو بردا ويختلف باختلاف حال المحبوس والزمن قوة وحرا وضدهما وحد الأطباء الجوع المهلك غالبا باثنين وسبعين ساعة متصلة واعترضهم الروياني بمواصلة ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما خمسة عشر يوما ويرد بأن هذا نادر ومن حيز الكرامة على أن التدريج في التقليل يؤدي لصبر نحو ذلك كثيرا والذي يظهر أنه لا عبرة بذلك ولو بالنسبة لمن اعتاد ذلك التقليل ؛ لأن العبرة في ذلك بما من شأنه القتل غالبا فإن قلت مر اعتبار نحو النضو قلت يفرق بأن كل نضو كذلك وليس كل معتاد للتقليل يصبر على جوع ما يقتل غالبا كما هو واضح ( فعمد ) إحالة للهلاك على هذا السبب الظاهر وخرج بحبسه ما لو أخذ بمفازة قوته أو لبسه أو ماءه .

                                                                                                                              وإن علم أنه يموت وبمنعه ما لو امتنع من تناول ما عنده وعلم به خوفا أو حزنا أو من طعام خوف [ ص: 381 ] عطش أو من طلب ذلك أي ، وقد جوز أنه يجاب فيما يظهر فلا قود بل ولا ضمان في الحر ؛ لأنه لم يحدث فيه صنعا في الأول وهو القاتل لنفسه في البقية قال الفوراني وكذا لو أمكنه الهرب بلا مخاطرة فتركه ( وإلا ) تمضي تلك المدة ومات بالجوع مثلا لا بنحو هدم ( فإن لم يكن به جوع وعطش ) أي أو عطش لقوله ( سابق ) على حبسه ( فشبه عمد ) وعلم من كلامه السابق أنه لا بد من مضي مدة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها فإيهام عموم وإلا هنا غير مراد ( وإن كان ) به ( بعض جوع وعطش ) الواو بمعنى أو كما مر سابقا ( وعلم الحابس الحال فعمد ) لشمول حده السابق له إذ الفرض أن مجموع المدتين بلغ المدة القاتلة وأنه مات بذلك كما علم من المتن ( وإلا ) يعلم الحال ( فلا ) يكون عمدا ( في الأظهر ) ؛ لأنه لم يقصد إهلاكه ولا أتى بمهلك بل شبهه فيجب نصف ديته لحصول الهلاك بالأمرين وفارق مريضا ضربه ضربا يقتله فقط مع جهله بحاله فإنه عمد مع كون الهلاك حصل بالضرب بواسطة المرض فكأنه حصل بهما بأن الثاني هنا من جنس الأول فصح بناؤه عليه ونسبة الهلاك إليهما بخلافه ثم فإنه من غير جنسه فلم يصلح كونه متمما له ، وإنما هو قاطع لأثره فتمحضت نسبة الهلاك إليه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : من ابتداء منعه أو إعرائه ) هذا لا يشمل التدخين ( قوله باثنين وسبعين ساعة ) ما المراد بالساعة هنا .

                                                                                                                              ( قوله يصبر على جوع ما يقتل غالبا ) الجوع المعتاد لا يقتل غالبا ( قوله : وإن علم أنه يموت ) أي فهو هدر مطلقا وإن كان لا يمكنه الخروج من تلك المفازة نعم إن قيده كان كما [ ص: 381 ] لو حبسه م ر ( قوله : ؛ لأنه لم يحدث فيه صنعا ) قال في شرح الروض وقضية هذا التوجيه أنه لو أغلق عليه بيتا هو جالس فيه حتى مات جوعا لم يضمنه وفيه نظر نعم إن كان التصوير في مفازة يمكن الخروج منها فهذا يحتمل وإن لم يمكنه ذلك لطولها أو لزمانة ولا طارق في ذلك الوقت فالمتجه وجوب القود كالمحبوس ا هـ قال بعضهم ولو فصل بأن يعلم الآخذ حال المفازة فيجب القود وبين أن يجهل فتجب دية شبه العمد لكان متجها ا هـ وهذا كله حيث لم يحدث فيه صنعا كما هو الفرض وإلا فقد قال في العباب بعد ذلك ولو وضع صبيا أو شيخا ضعيفا أو مريضا مذففا بمفازة فمات جوعا أو عطشا أو بردا فكطرحه في مغرق ا هـ وقال في الإلقاء في المغرق وكذا أي يقاد منه لو ألقاه في ماء أو نار وعجز عن الخلاص فيهما بكونه مكتوفا أو صبيا أو ضعيفا إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : لقوله سابق ) أو سابق صفة عطش وحذف نظيره مما قبله ( قوله : وفارق مريضا إلخ ) فيه ما فيه ( قوله : ونسبة الهلاك إليهما ) ضبب بينه وبين قوله فصح بناؤه عليه وقوله وهو ما أثره فقط ضبب بينه وبين قول المصنف ويجب [ ص: 382 ] القصاص بالسبب



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أو دخن عليه ) بأن حبسه في بيت وسد منافذه فاجتمع عليه الدخان وضاق نفسه مغني وأسنى . ( قوله : لذلك ) أي للطعام والشراب ( قوله أو عراه ) أي ومنعه الطلب لما يتدفأ به ع ش ( قوله : أو بردا ) ينبغي أو حرا رشيدي ( قوله : أو إعرائه ) المناسب لما قبله أو تعريته لكنه قصد التنبيه على جواز اللغتين ع ش ( قوله : أو بردا ) أي أو ضيق نفس مثلا من الدخان أو نزف الدم من منع السد ع ش أي أو حرا ( قوله : ويختلف ) عبارة الأسنى والمغني وتختلف المدة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله قوة إلخ ) نشر على ترتيب اللف ( قوله وحرا ) أي وبردا ( قوله : باثنين وسبعين ساعة ) أي فلكية فجملة ذلك ثلاثة أيام بلياليها ع ش ورشيدي وسيد عمر ( قوله : ابن الزبير ) واسمه عبد الله ؛ لأنه المراد عند الإطلاق وقوله خمسة عشر يوما عبارة الدميري سبعة عشر يوما ع ش ( قوله : والذي يظهر إلخ ) محل نظر بل الذي يظهر خلافه سيد عمر وسيأتي عن سم ما يؤيده ( قوله : بأن كل نضو كذلك ) أي يتأثر بغرز الإبرة ع ش ( قوله وليس كل معتاد للتقليل يصبر إلخ ) قد يقال الجوع المعتاد لا يقتل غالبا سم على حج ا هـ رشيدي ( قول المتن : فعمد ) وقع السؤال عما لو منعه البول فمات أقول الظاهر أنه إن ربط ذكره بحيث لا يمكنه البول ومضت عليه مدة يموت مثله فيها غالبا فعمد كما لو حبسه ومنعه الطعام إلخ وإن لم يربطه بل منعه بالتهديد مثلا كأن راقبه وقال إن بلت قتلتك فلا ضمان كما لو أخذ طعامه في مفازة فمات وينبغي أن من العمد أيضا ما لو أخذ من العوام نحو جرابه مما يعتمد عليه في العوم وأنه لا فرق بين علمه بأنه يعرف العوم وعدمه ع ش ( قوله : إحالة للهلاك ) إلى قول المتن ويجب القصاص في المغني إلا قوله وعلم من كلامه إلى المتن .

                                                                                                                              ( قوله : وخرج بحبسه ما لو أخذ بمفازة قوته إلخ ) وقياس ذلك أنه لو قطع على أهل قلعة ماء جرت عادتهم بالشرب منه دون غيره فماتوا عطشا فلا قصاص ؛ لأنهم بسبيل من غيره ولو بمشقة فإن تعذر ذلك فليس من المانع للماء ع ش ( قوله : وإن علم أنه يموت ) أي فهو هدر مطلقا وإن كان لا يمكنه الخروج من تلك المفازة نعم إن قيده كان كما لو حبسه م ر سم ( قوله : وعلم به ) جملة حالية ( قوله : خوفا إلخ ) متعلق ب امتنع ( قوله أو من طعام ) أي أو امتنع [ ص: 381 ] من أكل طعام ( قوله : في الحر ) خرج به الرقيق فإنه مضمون باليد أسنى ونهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله : لأنه لم يحدث فيه صنعا ) قال الأذرعي وقضية هذا التوجيه أنه لو أغلق عليه بيتا هو جالس فيه حتى مات جوعا لم يضمنه وفيه نظر انتهى وهذه القضية ممنوعة ؛ لأنه في أخذ الطعام منه متمكن من أخذ شيء بخلافه من الحبس بل هذه داخلة في كلام الأصحاب أي فيضمن ثم قال وهذا في مفازة يمكن الخروج منها أما إذا لم يمكنه ذلك لطولها أو لزمانته ولا طارق في ذلك الوقت فالمتجه وجوب القود كالمحبوس انتهى وهو بحث قوي لكنه خلاف المنقول مغني ونهاية وهذا كله حيث لم يحدث فيه صنعا كما هو الفرض وإلا فقد قال في العباب بعد ذلك ، ولو وضع صبيا أو شيخا ضعيفا أو مريضا مدنفا بمفازة فمات جوعا أو عطشا أو بردا فكطرحه في مغرق انتهى وقال في الإلقاء ، وكذا أي يقاد منه لو ألقاه في ماء أو نار وعجز عن الخلاص فيهما لكونه مكتوفا أو صبيا أو ضعيفا إلخ سم ( قوله : في الأول ) أي فيما لو أخذ بمفازة قوته أو لبسه أو ماءه مغني ( قوله في البقية ) أي الخارجة بقول المتن ومنعه مغني .

                                                                                                                              ( قوله : وكذا لو أمكنه إلخ ) أي لا ضمان ع ش ( قوله : أي أو عطش لقوله إلخ ) يعني أن الواو بمعنى أو بدليل إفراد الضمير في قوله سابق مغني .

                                                                                                                              ( قوله : على حبسه ) عبارة المغني على المنع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وعلم من كلامه السابق إلخ ) انظر ما وجهه رشيدي ولعل وجهه أن معنى قول المتن حتى مات أي بسبب المنع كما صرح به المغني وأشار إليه الشارح والنهاية هناك بقولهما جوعا أو عطشا إلخ ( قوله أنه لا بد من مضي مدة إلخ ) أي وإلا فهدر كما مر قبيل التنبيه الثاني ( قوله : سابق ) صفة قول المصنف به جوع إلخ ( قوله : بلغ المدة القاتلة ) أما إذا لم يبلغها فهو كما لو لم يكن به شيء سابق كما قاله ابن النقيب وتبعه الزركشي ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله : بل شبهة ) أي بل يكون شبه عمد رشيدي ( قوله : نصف ديته ) أي دية شبه العمد ع ش ( قوله : وفارق مريضا إلخ بأن الثاني هنا إلخ ) فيه ما فيه سم على حج إذ الملحظ كون الهلاك حصل بالمجموع ولا شك أنه حصل به في المسألتين ألا ترى أنه لو كان صحيحا في مسألة المريض لم يقتله ذلك الضرب ، وأما كونه من الجنس أو من غيره فهو أمر طردي لا دخل له في ذلك فتأمل رشيدي ( قوله : بأن الثاني ) متعلق بفارق ( قوله : هنا ) أي في مسألة المتن ( قوله : من جنس إلخ ) وهو مطلق الجوع ( قوله : ثم ) أي في مسألة المريض .




                                                                                                                              الخدمات العلمية